سورة إبراهيم ١٤: ٣٢
{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ}:
{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: ارجع إلى الآية (٣٠) من سورة الأنبياء، والآيات (٢٢، ٣٩) من سورة البقرة، والأعراف، آية (٥٤) للبيان.
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}: وأنزل من السحب الركامية ماءً: ماء المطر الّذي ينشأ من تحول بخار الماء الّذي تحمله الرياح؛ فيشكل السّحب الّتي يؤلف بينها لتشكل السحب الركامية الّتي تلقح برياح أخرى تحمل هباءات الغبار فيبدأ بخار المكاء يتكثف، ويتحول إلى قطرات المطر. ارجع إلى سورة الحج، آية (٥)، ولم يقل سبحانه: وأنزل لكم من السماء ماء، كما ورد في الآية (٦٠) من سورة النمل؛ لأنه سبحانه في آية إبراهيم تبعها قوله تعالى: {رِزْقًا لَّكُمْ} والرزق يشمل الماء وغيره، وأما في سورة النمل تعداد لنعم الله تعالى عليهم.
{فَأَخْرَجَ بِهِ}: أي: بماء المطر، والفاء: للترتيب، والتّعقيب.
{مِنَ الثَّمَرَاتِ}: من: ابتدائية بعضية؛ بعض الثّمرات مثل ثمرات النّخيل والأعناب، وغيرها؛ فقد أعطى الله سبحانه هذه البذور القدرة على اختيار ما يلائمها من عناصر مركبات الأرض المختلفة؛ لذلك تختلف أشكال هذه الثمار، وطعومها؛ فنرى شجرة البرتقال تنمو بجانب شجرة الليمون، وغيرها، وهذا من طلاقة القدرة الإلهية الّتي أودعها في الشفرة الوراثية داخل البذرة أو النواة.
{رِزْقًا لَّكُمْ}: الرّزق: العطاء، وكلّ ما خلقه الله تعالى في الأرض مما يملكه النّاس.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ}: والتّسخير: التّذليل والتّطويع والتّدبير، والتّصرف به، ويعني: خلق كائن ما لمهمة معينة لا يستطيع أن يخالفها.
{الْفُلْكَ}: هي السّفن، والفلك: تطلق على المفرد والجمع، ورغم أنّ الإنسان هو الّذي يصنع الفلك، ولكنه سبحانه هو الّذي يزجي الفلك، ويذلل الرّيح؛ كي تجري الفلك في البحر.
{لِتَجْرِىَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ}: لتجري: اللام: لام التّعليل؛ تجري: تسير، وتسرع في البحر.
{بِأَمْرِهِ}: بأمر الله ومشيئته وإذنه؛ فهو الّذي جعل لهذا الماء صفات طبيعية، وكيماوية تشكل ما يسمّى ظاهرة التّوتر السطحي الّتي تمثل شدة تماسك جزئيات الماء مع بعضها البعض؛ لتساعد على حمل هذه الفلك العملاقة القادرة على حمل ملايين الأطنان.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ}: سخر الأنهار بعد تسخير الجبال؛ لأن تكّون الأنهار مرتبط بتكّون الجبال الّتي ينبع الماء من قممها، ثم ينحدر على سفوح هذه الجبال؛ لتشكل الأنهار، وبفضل عوامل التّعرية من رياح ومطر، واختلاف درجات الحرارة، والليل والنّهار كلّ ذلك يؤدي لتشكل الأنهار الّتي تشهد لله ببديع صنعه. ارجع إلى سورة الرعد، آية (٣).