سورة البقرة ٢: ١٧٩
{وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِى الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}:
{وَلَكُمْ}: خاصة أيها المسلمون في الإسلام ثلاث شرائع: العفو، أو القصاص، أو الدّية، فالدّية: غير مشروعة عند اليهود، فعندهم النّفس بالنّفس، والدّية هي المشروعة عند النّصارى فقط، أما في الإسلام: فله إحدى الاختيارات.
{الْقِصَاصِ}: كما قلنا: أن يُفعل بالقاتل «أو الجاني» مثل ما فُعل بالمقتول «أو المجني عليه»، فالعقوبة في القصاص تكون من جنس الجريمة، أو أن يُعفى عن القاتل، أو أن يدفع الدّية، فالقصاص تعتبر عقوبة مقررة لأجل صون حق الآدمي، أو البشر. فالقصاص شُرِعَ للحفاظ على حياة الفرد والمجتمع معاً.
وأما الحدود: فهي تعتبر عقوبة مقررة لأجل صون حق الله بسبب عصيان أمر شرعي، والحدود: هي حد السّرقة، والزّنى، والقذف، والرّدة، وشرب الخمر، والحرابة، والعقوبة في الحدود لا تكون من نفس الجريمة، فالحدود «ليس لولي الأمر أو لولي القاتل تدخل فيها».
وعقوبة الحدود: هي إقامة الحد، مثل: الجلد، أو الرّجم، أو التعزير، أو قطع اليد، فحين يعلم القاتل «الجاني» أنّه سوف يُقتل إذا قام بفعل القتل؛ فقد تمنعه هذه العقوبة «والّتي نسميها القصاص»، من أن يقتل غيره، وعندها بهذا الرّدع يكون قد صان حياتين حياته، وحياة الّذي يريد قتله.
وجاء بكلمة حياة نكرة، ولها معانٍ كثيرة، نذكر منها:
أولاً: حياة للمجتمع بتوافر الأمن، والسّلام، وعدم فقدان أفراده بالقتل.
ثانياً: حياة في الآخرة للقاتل إذا استسلم لحكم الله، واقتص منه بقتله في الدّنيا؛ أي: سلامته من القصاص في الآخرة.
ثالثاً: حياة؛ أي: القصاص سبب حياة نفسين القاتل والمقتول؛ لأنّه لم تتم عملية القتل بسبب الرّدع بالخوف من القصاص.
رابعاً: حياة سبب دفع الدّية لولي القاتل، توفر له معيشة أفضل، وأفضل ما قيل في معنى هذه: (القتل أنفى للقتل)، {وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِى الْأَلْبَابِ} البقرة: ١٧٩، كلام في غاية البلاغة والإيجاز.
{يَاأُولِى الْأَلْبَابِ}: جمع لب، قيل: هو باطن العقل، أو صفوة العقل، أو ما زكى من العقل، فكل صاحب لب له عقل، وليس كل صاحب عقل له لب، والألباب: من اللب، وليس القشرة؛ أي: لب الأشياء وليس ظواهر الأشياء.
فكلمة أولي الألباب تعني: الصّفوة من المؤمنين ذوي العقول النّيرة، الحكماء، والعلماء؛ الّذين هم أبعد نظراً، وأعمق فكراً في الأمور والآيات، فيجدوا الحكمة والفائدة فيما شرع الله، فيزدادوا هدى وإيماناً وقرباً من الله. ارجع إلى الآية (١٩٧) من سورة البقرة لمزيد من البيان.
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: لها معاني كثيرة منها: لعلكم: لعل للتعليل؛ أي: تتقون الله؛ أي: عذاب الله وانتقامه، تتقون النّار: بتجنبكم المعاصي، والقتل، تصلون إلى منزلة التّقوى، أو تعملون عمل أهل التّقوى، تتقون الدّماء، وقتل الأرواح البريئة.