سورة النحل ١٦: ٣٦
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}:
{وَلَقَدْ}: الواو: استئنافية؛ لقد: اللام: للتوكيد؛ قد: للتحقيق، والتّوكيد؛ أيْ: قد تحقق ذلك.
{بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا}: بعثنا: من البعث، ولم يقل: أرسلنا. ارجع إلى الآية (١١٩) من سورة البقرة؛ للبيان الفرق بين البعث، والإرسال.
{فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا}: في: ظرفية؛ كقوله تعالى {وَإِنْ مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} فاطر: ٢٤.
{أُمَّةٍ}: جماعة من النّاس تجمعها عقيدة، أو ملَّة، أو شريعة بغضِّ النظر عن الكم، أو الحيِّز الجغرافي.
{رَسُولًا}: كلّ رسول نبي، وليس كلّ نبي رسولاً. ارجع إلى سورة النساء، آية (١٦٤)؛ لبيان الفرق بين الرّسول والنّبي.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}: أن: مصدرية تفيد التّعليل، والتّوكيد.
{اعْبُدُوا اللَّهَ}: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئاً.
العبادة: هي طاعة العابد للمعبود؛ فيما أمر ونهى، ولها منهج افعل، أو لا تفعل، ولها جزاء، ولا تكون إلا للخالق، ولا بُدَّ معها من معرفة المعبود.
{وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}: الاجتناب: هو الابتعاد؛ أي: ابتعدوا عن عبادة الطّاغوت، أو طاعته، والاجتناب: أشد من التّحريم؛ أمّا الطّاغوت: فارجع إلى الآية (٢٥٦) من سورة البقرة؛ للبيان.
{فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ}: تعود على أفراد الأمم المذكورة؛ من: ابتدائية بعضية؛ من: الثّانية تفيد التّوكيد.
{هَدَى اللَّهُ}: أي: استجاب لأوامر الله بالطّاعة، واجتناب الطّاغوت، ووحَّد الله، وطلب الهداية، واستعان بالله فوفَّقه الله تعالى وهداه.
{وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ}: ومنهم مثل السّابقة من حقت عليه الضّلالة؛ أيْ: رفض الاستجابة لله وعبادة الله، ووحدانيته، وطاعته، وسار في طريق الكفر، والضّلالة، واستمر على ذلك؛ فوجبت له الضّلالة؛ أيْ: تركه الله تعالى في ضلاله يرتع ويلعب. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٣٠)؛ لمعرفة الفرق بين حقَّت عليه الضلالة، وحقَّ عليه الضلالة.
{فَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ}: فسيروا: الفاء: تفيد التّرتيب، والمباشرة.
{فِى الْأَرْضِ}: في: ظرفية؛ لأنّ الأرض تعني: الأرض، وتشمل: الطّبقة الغازية الّتي حولها، ولم يقل: على الأرض سيروا في الأرض؛ للاعتبار، والاطلاع على آثار الأمم السّابقة، وخراب ديارهم، وهلاكهم، ولمعرفة الفرق بين فسيروا في الأرض، ثمّ سيروا في الأرض؛ ارجع إلى سورة آل عمران، آية (١٣٧).
{فَانْظُرُوا}: الفاء: للترتيب، والمباشرة؛ انظروا: نظرة عينية، وقلبية فكرية، ونظرة اتعاظ.
{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}: كيف: للاستفهام، والتّعجب، والإنكار.
{كَانَ عَاقِبَةُ}: تذكير العاقبة باستعمال كان، وليس كانت؛ تعني: العذاب في كلّ القرآن الكريم؛ أمّا لو قال تعالى: كانت عاقبة بالتأنيث بدلاً من كان عاقبة؛ لدلَّت على الجنة، أو العاقبة الحسنة، أو الحسنى.
{الْمُكَذِّبِينَ}: بالرّسل، وبما أنزل الله من الآيات الكونية، والمعجزات، وآيات القرآن، والمكذبين: جملة اسمية تفيد ثبوت الكذب عندهم، وأنّه أصبح صفة ثابتة عندهم؛ مقارنة بالّذين كذبوا الّذين صفة الكذب عندهم تتجدَّد، أو تتكرَّر، وأحياناً يصدقون في أقوالهم.