سورة البقرة ٢: ١٨٨
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}:
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم}: الواو: استئنافية، {وَلَا}: النّاهية، {تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم}: أي: لا تأخذوها، والأكل هنا معناه الأخذ والاستيلاء عليها من دون حق، ولماذا استعمل لا تأكلوها بدلاً من لا تأخذوها؛ لأنّ عملية الأخذ عندهم أصبحت متكررة كعملية الأكل المتكررة ثلاث مرات باليوم، أو أكثر، وعدم الشّبع الّذي يقابله الجشع والطّمع.
{بَيْنَكُم}: الخطاب موجه إلى الجميع بلا استثناء.
{بِالْبَاطِلِ}: هو كلّ ما لم يُبيح الشّرع أخذه، أو أكله، وإن طابت به النّفس، والباطل هو الزّائل الّذي لا يدوم كالرّبا، والميسر، وثمن الخمر، والرّشوة، وشهادة الزّور، واليمين الكاذبة، والسّرقة، والخيانة، والغش والغصب، وأكل مال اليتيم، والباء: للإلصاق، باء السّببية؛ أي: لا يأخذ، أو يأكل بعضكم مال بعض، وفي قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}: تعني أيضاً: لا تأكلوها أنتم، ولا تدخلوها في بطون من تعولون.
{وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}: تدلوا: مأخوذة من أدلى دلوه ليملأها بالماء من البئر؛ أي: أنزل الدّلو، ودلوتها تعني: إذا أخرجتها، والحبل الّذي يعلق به الدّلو يسمى الرّشاء، والرّشوة مأخوذة من الرّشاء: لترشوهم بها؛ لكي يقضوا لكم بالباطل؛ لتأكلوا أموال النّاس بالباطل. وقيل: هذه هي آية الرّشوة في القرآن.
تدلوا بها: ترجع إلى الأموال والخصومات، وما تدلون به من الحجج الباطلة في المحاكم ودور القضاء، إلى الحكام الّذين يشرعون الأحكام الوضيعة، والقوانين المادية، ويتركون شرع الله، والحكام الّذين يقبلون أخذ الرّشاوى مثل القضاء، وولاة الأمور، ومن يعملون في محاكم الدّولة، ومديرو الدوائر، تدلوا بها إلى الحكام ليقضوا لكم بالباطل، والظّلم، والحيف.
{لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}: {لِتَأْكُلُوا}: اللام: لام التّعليل، أو التّوكيد؛ أي: ليأخذوا، {فَرِيقًا}: قسماً، أو شيئاً من أموال النّاس. ارجع إلى الآية (٢١) من نفس السورة للبيان.
{بِالْإِثْمِ}: أي: بالظّلم وشهادة الزّور، واليمين الكاذبة، والإثم: الجرم كائن ما كان، والإثم (الذّنب العظيم)، والباء: للإلصاق؛ تعني: عمداً. ارجع إلى سورة الأعراف آية (٣٣) للبيان.
{وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}: أنكم آثمون، وهذه مبالغة في الجرأة، والمعصية على الإثم، وعلى الباطل، أو أنكم تعلمون حرمة هذه الأمر، ومع ذلك تقوموا بها، انتبه لتأكلوا الأولى بالباطل، والثّانية بالإثم، وتفيد التّوكيد في الحرمة.