سورة النحل ١٦: ٩٢
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}:
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ}: لا: النّاهية.
{كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ}: يضرب الله لنا هذا المثل؛ ليبيِّن حال الّذين ينقضون العهد، والأيمان؛ كالمرأة القرشية الحمقاء الّتي كانت تقوم بعملية الغزل الّذي كان يحتاج إلى جهد عظيم، وزمن طويل، ثمّ تقوم بعد ذلك بفك الغزل، والنّسيج بعد مرور الغزل في مراحل دقيقة من تلاحم الألوان، والخيوط، والقرب من إتمام الصّنع.
{مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ}: أيْ: بعد عمل شاق احتاج إلى قوة، كما يحدث في إبرام العقد، أو أخذ العهد الّذي يحتاج إلى قوة، وجهد عظيم، ثمّ يحدث النقض.
{أَنكَاثًا}: محلولاً، جمع نِكْثٍ: وهو ما نُقض وحُل فَتْله من الغزل؛ ليُغزل ثانية.
{تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}: أيْ: تمكرون، وتخدعون، وتنقضون عهدكم مع الطّرف الآخر من أجل جماعة أقوى عدداً، وعدَّة، أو فائدة ومصلحة لكم.
{دَخَلًا}: الدّخل: أن تُدخِل في الشّيء شيئاً آخر أدنى منه في الجودة في سبيل الغش، والخداع.
{أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِىَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}: الأمة: جماعة من الناس تجمعهم شريعة واحدة، أو مبادئ ومصالح؛ بغض النظر عن الكم، أو الحيز الجغرافي؛ مثل: القبيلة، أو القوم؛ قبيلة أقوى، أو أغنى من قبيلة أخرى.
أيْ: تنقضون عهدكم خديعة، ومكراً مع قبيلة ما لتنضموا، وتدخلوا في تحالف جديد مع قبيلة أخرى أقوى، ولا تتموا عهدكم إلى مدته من أجل المصلحة، والطّمع طلباً للدنيا والسّمعة.
{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ}: إنما: كافة، ومكفوفة؛ تفيد التّوكيد.
{يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ}: به تعود على العهد، والوفاء به، والابتلاء يكون بالوفاء به، أو نقضه بالغدر، والخديعة، وقيل: به قد تعود إلى الكثرة الّتي تعني كثرة العدد (أربى).
{وَلَيُبَيِّنَنَّ}: الواو: استئنافية؛ ليبيننَّ: اللام: لام التّوكيد، والنّون في يبيِّننَّ حرف النّون (زيادة التّوكيد)، والفاعل ضمير مستتر تقديره الله؛ ليبيِّننَّ: يوضح لكم، أو يُظهر لكم.
{لَكُمْ}: اللام: لام الاختصاص؛ أيْ: لكم خاصة.
{يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}: ليبيِّننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم في الدّنيا تختلفون فيه من أمر العهود، والوفاء بها، أو نقضها، والحق من الباطل، ويجازي كلاً على عمله، وفي هذا إنذار، ووعيد، وتحذير من مخالفة الوفاء بالعهود.