سورة النحل ١٦: ١٢٧
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}:
{وَاصْبِرْ}: الخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبالتّالي إلى أمته، أو إلى الجميع بالصّبر على الأذى، والبلاء، وعدم الانتقام، صبراً وأنت قادر على الانتقام، والثّأر؛ أيْ: صبراً ليس بسبب الضّعف، والجبن، ولكنه صبر تطوع ابتغاء مرضاة الله؛ الصّبر له درجات، وأنواع؛ انظر في ملحق هذه الآية؛ للبيان.
{وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}: وما: النّافية.
{إِلَّا بِاللَّهِ}: إلا: أداة حصر.
{بِاللَّهِ}: أي: استعن بالله على الصّبر؛ فإن لم يصبرك؛ فلن تصبر؛ لأنّه هو المعين على الصّبر، ولو قال: واصبر، وما صبرك إلا لله؛ أي: اصبر ابتغاء وجه الله، أو مرضاة الله.
{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}: لا: النّاهية.
{تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}: أيْ: لا تحزن على قومك إن لم يؤمنوا، أو لا تحزن على كفرهم، وشركهم، وعنادهم، أو ما فعلوا بك يوم أُحُدٍ. ارجع إلى سورة الأنعام، آية (٣٢)؛ لمعرفة معنى الحزَن، والحزُن.
{وَلَا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}: ولا: الواو: عاطفة؛ لا: النّاهية.
{تَكُ}: أيْ: لا يكن في صدرك أيُّ ضيق مهما قلَّ، أو صغر، وحذف النّون، ولم يقل: ولا تكن في ضيق مما يمكرون، كما في الآية (٧٠) من سورة النّحل: إشارة إلى أقل الضّيق مما يمكرون؛ أي: اطمئن وهوِّن عليك، ولا تهتم بمكرهم، ولو أقل الاهتمام، وأدناه، ولتعريف المكر: ارجع إلى الآية (٤٦) من سورة إبراهيم.
{يَمْكُرُونَ}: جاء بصيغة المضارع؛ لتدل على تجدُّد، وتكرار مكرهم، وأنّه لن يتوقف.
ارجع إلى الآية (١٢) من سورة هود؛ لمعرفة الفرق بين ضائق صدرك، ويضيق، وضيق مما يمكرون.
والصّبر: خمس مراتب: صابر، مصطبر، متصبر، صبار، صبور.
صابر: اسم فاعل لفعل صبر.
مصطبر: مليء بالصّبر مداوم على الصّبر، اصطبر: داوم على الصّبر.
متصبِّر: يحمل نفسه (يجاهد) على الصّبر.
صبَّار: صيغة مبالغة كثير الصّبر في الكم.
صبور: صيغة مبالغة كثير الصّبر كيفاً عنده كلّ أنواع الصّبر.
أنواع الصّبر: صبر على طاعة الله، وصبر عن المعصية، وصبر على الشّدائد، والمصائب.
وأما الصّبر الجميل: الصّبر الّذي لا شكوى فيه، وإذا اشتكى لا يشتكي إلى أَحَدٍ إلّا الله فقط حصراً.
اصبروا: على الدِّين، والتّكاليف الشّرعية، وعلى تجنب المعصية، وعلى القضاء، والقدر.
صابروا: أشدُّ من اصبروا؛ كن أكثر صبراً من عدوك: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} آل عمران: ٢٠٠.
صابروا: أعداءَكم.
وهناك صبر بالله كقوله تعالى في هذه الآية: واصبر وما صبرك إلا بالله؛ أي: استعن بالله؛ أي: اعلم أنّه هو المُصبر إن لم يُصبرك هو؛ فلن تصبر.
صبر لله: صبر لوجه الله ابتغاء مرضاة الله؛ الباعث على الصّبر: هو محبة الله، ومرضاته كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} الرعد: ٢٢.
صبرٌ مع الله: صبر الصّديقين: هو أصعب أنواع الصّبر؛ صبرٌ وفقاً لأوامر الله تعالى، ومحارمه؛ صبرٌ على الطّاعات، واجتناب المحرمات، والشّدائد؛ صبر التّسامي إلى درجة الصّفح، والعفو كقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشورى: ٤٣.