سورة البقرة ٢: ٢٠٣
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}:
هذه هي المرة الرّابعة الّتي ينبه الله سبحانه إلى الذّكر:
١ - {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}.
٢ - {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}.
٣ - {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.
٤ - {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}.
فيجب أنّ نعلم أنّ ذكر الله يجب أن يكون دائم أيام الحج، واذكروا الله قيل: تعني التكبير بعد الصّلوات حتّى عصر اليوم الثالثّ.
{فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}: أيام معدودات: جمع قلة، أما قوله تعالى: أيام معدودة: جمع كثرة، هي أيام التّشريق الثّلاثة الّتي تبدأ بعد يوم العيد «يوم النّحر»، وسمِّيت أيام التّشريق نسبة إلى شروق الشّمس، فقد كانوا يضحون، ويأخذوا اللحم، ويضعوه لمطلع الشّمس كوسيلة لتقديده، ولحفظه، وكان هذا في الزمن القديم، والمعدودات جمع قلة؛ لأنّه أقل من عشرة.
{فَمَنْ}: الفاء: للتفصيل من ابتدائية.
{تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ}: فمن رمى الجمرات في اليوم الأوّل، والثّاني من أيام التّشريق وسافر، فلا إثم عليه.
{وَمَنْ تَأَخَّرَ}: رمى الجمرات في الأيام الثّلاثة كلها، فلا إثم عليه.
السّؤال هنا: لماذا قال: لا إثم على الّذي تأخر في يومين بدلاً من الزّيادة في أجره؛ لأنّه أتم الثّلاثة أيام؟
الإثم في هذه الآية، لا علاقة له بالتّعجل، أو بالتّأخر، وإنّما يعود على الإثم الّذي ارتكبه المتعجل، أو المتأخر قبل الحج من تقصير، أو خطأ.
فالمتعجِّل والمتأخِّر كلاهما زالت آثامهما الّتي كانت عليهما قبل حجهما، على شرط الّذي تعجل، أو الّذي تأخر حج، ولم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، وكذلك لا إثم على المتعجل، أو المتأخر بشرط التّقوى الّذي ذكره: لمن اتقى؛ أي: أتم الحج المبرور، واللام في لمن: للتوكيد، والمسألة ليست مسألة زمن يومين، أو ثلاثة، ولكن المسألة مسألة إخلاص، وتقوى، وإحسان في الحج، وتكرار قوله: فلا إثم عليه، مرتين للتوكيد، والإثم: في الأصل التّقصير، ويعني: الذّنب. ارجع إلى سورة الأعراف آية (٣٣) للبيان.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أطيعوا أوامر الله، وتجنبوا نواهيه، واستقيموا على ذلك.
{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}: إليه جار ومجرور والتّقديم بدلاً من قوله: أنكم تحشرون إليه يفيد الحصر؛ أي: إليه وحده.
{تُحْشَرُونَ}: الحشر هو السّوق والجمع إلى أرض المحشر، إخراج الموتى من القبور، وسوقهم إلى الموقف؛ أي: أرض المحشر، والحشر: لا يكون إلَّا في أمر مكروه، واختيار كلمة تحشرون للتذكير بالزحام في الحج يجب أن يُذكَّر الحاج بيوم الحشر، للاستعداد له.