سورة البقرة ٢: ٢٠٤
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}:
بعد ذكر المتقي الّذي يرجع من حجه المبرور، لا ذنب عليه كمن ولدته أمه، يذكر مقابل المنافق الّذي حجه هو الإفساد في الأرض، وقيل: عن ابن عبّاس أنّ هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، ولقب بالأخنس؛ لأنّه خنس ورجع يوم بدر، فلم يقاتل المسلمين مع قريش، وكان ساعة يقابل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظهر إسلامه، وكان ليِّن الكلام كافر القلب، ويحلف أنَّه يُحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي أحد الأيام خرج من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمر بزرع وحُمرٌ لقوم من المسلمين، فأحرق الزّرع وقتل الحُمر.
والآية تشمل كل منافق والعبرة بعموم اللّفظ، وليس بخصوص السّبب، فيقول سبحانه:
{وَمِنَ النَّاسِ}: الواو: استئنافية، من: ابتدائية اسم موصول للعقلاء تشمل المفرد، والمثنى، والجمع. النّاس: ارجع إلى الآية (٢١) من سورة البقرة.
{مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: {مَنْ}: ابتدائية، {يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ}: تُسَرُّ لقوله، حلو اللّسان، ليِّن الكلام. والإعجاب هو: انفعال النّفس عند مشاهدة أو رؤية أمر سار غير مألوف.
{فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ أي: إذا تحدث تحدث في أمور الدّنيا، مثل التجارة، والمال، والزّرع، والأكل، والشّرب فقط، ولا يتطرق إلى ذكر الآخرة؛ لكونه لا يعلم عنها شيء، أو لا تهمه، أو يخاف أن يظهر على حقيقته.
{وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ}: أي: يحلف الأيمان الكاذبة حتّى يصدقه النّاس، كما كان يفعل الأخنس يحلف لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يُحبه والله يشهد على ما يقوله، وما في قلبه.
{وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}: الألد: الشديد الخصومة، وأصل اللّديد هو الّذي لا يمكن صرفه عما يريد؛ أي: أعدى الأعداء؛ لكونه يخدعك، ويبطن خصومته، أما الّذي يُظهر عداوته فهو ليس ألد الخصام؛ لأنّك تحتاط منه، وتبتعد عنه.