سورة البقرة ٢: ٢٢٩
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}:
الطلاق: هو حل عقدة النكاح؛ الّتي جعلها الله سبحانه ميثاقاً غليظاً؛ لقوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} النّساء: ٢١.
{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}: قيل: مرتان تعني: الطلاق الرجعي مرتان (الّذي فيه الرجعة)؛ أي: الطلقة الأولى، والثانية؛ إذ لا رجعة بعد الثالثة، وبعضهم أطلق على الطلاق الرجعي أسماء أخرى يُفيد معرفتها، فالطلاق المشروع مرتان، أو الطلاق المسنون.
ومرتان: تعني يطلقها، ثم يردها، ثم يطلقها، ثم يردها؛ أي: يملك الزوج الإرجاع في مرتين.
كيف يكون الطلاق مرتين، والكل يعلم أنه ثلاثة؟ فالطلاق الرجعي مرتان، والثالثة هي قوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} (كما في الآية ٢٣٩)؛ أي: المرة الثالثة: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ}.
{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}: الفاء: تفيد الترتيب، والتعقيب.
أي: من طلق للمرة الثّانية فهو أمام خيارين:
الأول: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}: بعد المراجعة الثّانية. بمعروف: من أداء الحقوق، وحسن الصحبة، والمعروف: هو كل ما كان فعله جميلاً مستحسناً غير مستقبح. فإمساك وتسريح مصادر مرفوعة ورفعها يدل على العموم والثبوت كما جاء في (معاني القرآن)؛ أي: هذه ليست أحكام موقوتة، وإنما أحكام دائمة.
الثّاني: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}: هو أن يتركها بعد الطلاق الثّاني حتّى تنقضي عدتها، ويسرحها آنذاك بإحسان، والإحسان: واجب؛ أي: يحسن إليها، ولا يظلمها، أو يجرها إلى المحاكم، وغيرها.
{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}:
لا يحل لكم أن تأخذوا شيئاً من المهور، أو الهدايا، وغيره إذا تم الطلاق.
{إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: حقوق النكاح، وحسن المعاشرة، وعدم النشوز، أو البغض، والإحصان.
فإذا خاف الزوج أنه لن يقيم حدود الله، وعلم أنّ النشوز سيكون من قبله، وهو السبب، أو أنه سوف يعتدي عليها، ويسيء معاملتها فعندها يسرحها، ولا يأخذ شيئاً مما آتاها.
وإذا خافت الزوجة أنها لن تقيم حدود الله، وأنّ النشوز سوف يكون من قبلها، أو هي تبغضه، وهو يحبها، وهو قائم بحقوق الزوجية، ولكنها هي السبب، وأنها لا تستطيع إصلاح ذلك عندها تطلب الخلع.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
{فَإِنْ}: الفاء: للتأكيد، إن: شرطية تفيد الاحتمال، أو الشك، ولو استعمل إذا لكان حتماً سيقع ذلك.
{خِفْتُمْ}: الخطاب موجه إلى الأولياء، والحكام لغير الزوجين؛ الخوف: هو توقع الضرر المشكوك في وقوعه ولم يقل فإن خافا.
{أَلَّا}: تضم أن المصدرية: للتعليل، والتوكيد، ولا: النّافية.
{أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: تكرار كلمة حدود الله؛ للتأكيد على إقامة حدود الله، وهي أحكامه، وشرائعه؛ أي: يعتدي أحدهما على الآخر بالنشوز وغيره.
{فَلَا جُنَاحَ}: فلا إثم، ارجع إلى الآية (١٩٨) للبيان. واستعمل لا جناح بدلاً من ليس عليكم جناح؛ لأنها أشد، وأقوى، وأثبت في النفي من ليس عليهما.
{عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}: لا إثم على الزوجة أن تطلب الخلع، ولا إثم عليه أن يخلعها.
وقيل: إنّ عليهما؛ تعني: الزوج؛ أي: فلا جناح عليه أن يأخذ من الزوجة ما أعطاها إياه كمهر، أو هدايا، أو غيرها ـ وبما افتدت به ـ (به تعود على الخلع)، وقال بعض الفقهاء: ويجوز للزوج أن يأخذ زيادة عما أعطاها إياه، ولكنه مكروه.
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}: تلك أوامر وأحكام الله في الطلاق، والخلع الّتي أمركم بها، أو نهاكم عنها فالتزموا بها قولاً وفعلاً، ولا تخالفوها، ولا تتجاوزوها. ارجع إلى الآية (١٨٧) لبيان تلك حدود الله فلا تقربوها (التي تستعمل في المحرمات)، وتلك حدود الله فلا تعتدوها (التي تستعمل في سياق أحكام الحل والحرام).
{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}:
{وَمَنْ}: شرطية، {يَتَعَدَّ}: يتجاوز ما أحله الله إلى ما حرمه، أو بالعكس، أو ما أمر به إلى ما نهى عنه.
{فَأُولَئِكَ}: اسم إشارة يفيد البعد، ودنوا منزلة الّذين يتعدون حدود الله.
{هُمُ}: ضمير فصل يفيد التّوكيد.
{الظَّالِمُونَ}: إذا كان هناك ظالمون فهم في طليعة الظالمين (للمبالغة): لأنفسهم ولغيرهم. ارجع إلى الآية (٥٤) من سورة البقرة.