سورة طه ٢٠: ٧٠
{فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}:
{فَأُلْقِىَ}: الفاء: تدل على المباشرة؛ أي: سجدوا مباشرة وبسرعة لله.
{السَّحَرَةُ سُجَّدًا}: خروا ساجدين لله تعالى بعد رؤيتهم ما حدث لعصا موسى، ولم يكُ سحراً، وإنما حقيقة، أو حق، فقد تحولت إلى حية تلقفُ ما يأفكون، ما رأوه من الحق ألقاهم على وجوههم ساجدين بسرعة، وقبل أن يعلنوا إيمانهم، وبعد أن خروا لله سجّداً، أعلنوا إيمانهم بعكس الأمر الطّبيعي، وهو أن يعلنوا إيمانهم أولاً، ثمّ يسجدوا، ولكن ما حدث هو العكس. سجداً: جمع ساجد، ويعني: السجود الظاهري التي تراه العين، وأما السجود الحقيقي يعني: الخشوع مع السجود الظاهري.
{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى}: نلاحظ هنا تقديم هارون على موسى، وهذه هي الآية الوحيدة الّتي قدمت هارون على موسى، وأما في سورة الشّعراء، آية (٤٧-٤٨)، وسورة الأعراف، آية (١٢١-١٢٢) {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}، والتقديم سببه حتّى لا يظن أحد أن رب موسى هو فرعون الّذي رباه، وترعرع في قصره، ولذلك قدم هارون وأخَّر موسى.
لتفسير ذلك يمكن القول: إنّ السّحرة الّذين كان عددهم كبيراً، وقيل: (٧٢) ساحراً بعد أن خرّوا سجّداً، ورفعوا رؤوسهم؛ قسمٌ قالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون، وقسمٌ قالوا: آمنا برب هارون وموسى، ولم يوجد هناك من قال: آمنا برب موسى وهارون بدون ذكر رب العالمين. وأما تقديم هارون على موسى في هذه الآية فقد فسّر ذلك بثلاثة احتمالات، والله أعلم:
الأوّل: لأنّ ذكر هارون تكرر كثيراً في هذه السّورة مقارنة بسورة الأعراف، والشّعراء، والسّياق هو السّبب.
الثّاني: لأنّه لم يسبقها قول: رب العالمين؛ لأنّه لو قال: رب موسى وهارون، فقد يظن البعض فرعون؛ لأنّ فرعون ربّاه، ونشأ عنده؛ فهو له كربٍّ، ولذلك أخّر ذكر موسى، وجاء بهارون؛ لأنّ فرعون لا يمكن أن يدّعي أنّه رب هارون؛ لأنّه لم يربِّه، كما ربّى موسى.
الثّالث: هارون هو أكبر من موسى سناً، وأفصح لساناً ووزيرٌ له.