سورة الأنبياء ٢١: ٣١
{وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}:
{وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ}: الجعل يكون بعد الخلق، فقد خلق الأرض أولاً، ثمّ أرساها بخلق الجبال في الأرض، ولم يقل: على الأرض؛ لأنّ الطبقة الغازية المحيطة بالأرض جزء من الأرض. الرواسي تعني: الصفائح القارية، والقوى المغنطيسية بالإضافة إلى الجبال التي تشكلت من البراكين والحمم التي شكلت الجبال. ارجع إلى سورة النحل آية (١٥)، والنبأ آية (٧) لمزيد من البيان، فهناك فرق بين ألقى في الأرض رواسي، وجعل فيها رواسي.
{رَوَاسِىَ}: الجبال. ارجع إلى سورة النّحل آية (١٥)، وسورة النّبأ آية (٧): لبيان كيف تشكلت الرواسي.
{أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}: أن حرف مصدري يفيد التّعليل والتّوكيد، تميد بهم: أيْ: تميل وتضطرب بهم.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا}: تعود على الرّواسي أي: الجبال وقيل: تعود على الأرض.
{فِجَاجًا}: الفج هو الطّريق في الجبل أو بين جبلين.
{سُبُلًا}: الطّريق الواسع السّهل.
{لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}: لعل للتعليل، يهتدون: بها في سيرهم فتكون كعلامات يهتدون بها في سفرهم.
ويهتدون إلى خالقهم فهي آية من الآيات الكونية الّتي تدل على عظمة الخالق وقدرته، الأمر الّذي إلى يدعو إلى الإيمان بالله وحده.
لنقارن هذه الآية (٣١) من سورة الأنبياء: {وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}.
مع الآية (١٥) من سورة النّحل: {وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}.
في سورة الأنبياء قال: أن تميد بهم جاءت في سياق الكلام عن قدرة الله سبحانه وعظمته.
وفي سورة النّحل قال: أن تميد بكم جاءت في سياق الكلام عن نعم الله تعالى وتعدادها.
ولنقارن آية الأنبياء: {وَجَعَلْنَا فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}.
مع آية (٢٠) من سورة نوح: {لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}.
ففي سورة الأنبياء قدَّم الفجاج على السّبل، وفي سورة نوح قدَّم السّبل على الفجاج.
قيل: قدَّم الفجاج على السّبل في سورة الأنبياء؛ لأنّ الفج هو الطّريق في الجبل أو بين جبلين، ولما ذكر الرّواسي؛ أي: الجبال فقد قدَّم الفجاج الّتي هي طرق في الجبال الّتي تشكلت نتيجة مياه الأمطار الّتي تنحدر على سفوحها فتشكل هذه الأنهار، ثمّ تجفّ بعضها وتتركها كالسّبل.
أمّا في سورة نوح فقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} قدَّم السّبل على الفجاج؛ لأنّه سبقها قوله الأرض بساطاً (والسّبل الطّرق السّهلة الممهدة فهي تتناسب مع الأرض بساطاً).
أو سبلاً فجاجاً تعني: سبلاً بعضها فجاجاً بين الجبال، وبعضها سبلاً في الأرض.
أو قيل: إنّ السّبل تصف الفجاج، أو الفجاج تصف السّبل.
أو التّقديم والتّأخير حسب الأهم؛ لأنّ العرب تقدِّم الأهم.