سورة الأنبياء ٢١: ٩١
{وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}:
{وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}: واذكر مريم بنت عمران في عداد عبادنا الصّالحين، أحصنت فرجها: الإحصان له أربعة معانٍ: الزّواج، والإسلام، والعفة، والحرية، أحصنت فرجها: أيْ: عفت وصانت فرجها عن الحرام وعن الحلال أيضاً.
{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}: الفاء للترتيب الذّكري أو التّوكيد، نفخنا: تعني: بأمر من الله إلى جبريل، وجاء بضمير الجمع للتعظيم ليدل على عظم الأمر، وقد تحمل معنى اشتراك جبريل في عملية النفخ التي كانت بأمر من الله سبحانه، كما قال تعالى {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} مريم١٧-١٩.
ولنقارن هذه الآية فنفخنا فيها من روحنا مع الآية (١٢) من سورة التّحريم {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}.
فيها تعود إلى مريم، وفيه تعود إلى عيسى عليه السلام الّذي في رحمها، نفخنا فيها أولاً لتحمل (لكي يبدأ الحمل بعيسى)، ثم نفخنا فيه (في عيسى) الروح، وذلك كما بينت الأحاديث بعد (٤٢) ليلة، أو في حديث آخر بعد (١٢٠) يوماً، نفخنا فيها عن طريق جيبها (درعها أو ثوبها). أما فيه: تعود إلى عيسى نفخنا فيه الروح بصورة مباشرة أو فيه تعود إلى حبيب درعها، والله أعلم.
{وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ}: آية: معجزة أو بينة أو دلالة على قدرة الله سبحانه أن يولد عيسى -عليه السلام- من دون أب وأن يتكلم في المهد أو أن تلد مريم من دون أن يمسها بشر، للعالمين: اللام لام الاختصاص، العالمين: الجن والإنس والملائكة يتحدثون بها.
وفي سورة مريم الآية (٢١) قال تعالى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} الجعل هو التّصيير آية للناس؛ أيْ: أبرزه آية للناس؛ أيْ: هو وحده آية للناس ومريم وابنها آية للعالمين.
ولنقارن الآية (٩١) من الأنبياء {فَنَفَخْنَا فِيهَا}، أو: الآية (١٢) من سورة التحريم {فَنَفَخْنَا فِيهِ}، مع الآية (٢٩) من سورة الحجر {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُّوحِى} يعني: آدم -عليه السلام- ، النّفخ في آدم من الله تعالى وحده فهو أعجب من النّفخ في عيسى -عليه السلام- : النّفخ في عيسى كان عن طريق جبريل -عليه السلام- .
في هذه الآية (٩١) من سورة الأنبياء قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} وفي الآية (٥٠) من سورة المؤمنون قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً}، في سورة الأنبياء قدّم أمّه (مريم) على عيسى؛ لأن الآيات جاءت في سياق الحديث عن مريم فقدَّم أمه وإنّ ابنها أفضل منها قربى إلى الله، وفي سورة المؤمنون آية (٥٠) قدَّم عيسى على أمّه؛ لأن السّياق في الحديث عن الرّسل، فقدَّم عيسى على أمّه.