سورة الفرقان ٢٥: ٥٨
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}
المناسبة: بعد ذكر موقف الّذين لا يرجون لقاء الله تعالى والمكذبين بالبعث والحساب والطلب من رسوله الإبلاغ والإنذار من دون أيِّ أجر يأمره بأن يتوكل عليه في الأمور كلها، فيقول تعالى:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لَا يَمُوتُ}: التوكل يعني: تفويض الأمر لله تعالى أيْ: ردُّه إليه راجياً عونه وتيسيره وتوفيقه بعد اتخاذ الأسباب المطلوبة شرعاً وعقلاً، فهو سبحانه الكافي لمن توكل عليه والموكول إليه تدبير كلّ شيء.
على: تفيد العلو.
الحي الّذي لا يموت: الحي واجب الوجود الباقي الدائم من أزل الأزل إلى أبد الأبد.
والأزل هو دوام الوجود في الماضي.
والأبد هو دوام الوجود في المستقبل.
وكما قال تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص: ٨٨.
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}: التسبيح هو تنزيه الله سبحانه عما لا يليق بذاته وأفعاله وصفاته وأسمائه. ارجع إلى سورة الحديد آية (١) لمزيد من البيان، وسورة الإسراء آية (١).
فسبحانه هو الكامل في ذاته وأفعاله وصفاته وأسمائه.
بحمده: الباء: للإلصاق والتوكيد، أيْ: بالثناء عليه وشكره.
أيْ: تسبيح مصاحب للحمد والحمد أعم من الشكر.
كأن تقول: سبحانه الله والحمد لله أو سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.
{وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}: الباء: للتوكيد والإلصاق؛ أيْ: لا يحتاج سبحانه وتعالى أن يخبره أحدٌ عن ذنوب عباده الآخرين، وهو سبحانه غني أيضاً عن أن يخبره أحدٌ من عباده بما يفعله الآخرون؛ لأنّه سبحانه يعلم بواطن الأمور وخفاياها، ويعلم ظواهرها ولا تخفى عليه خافية أيْ: سبحانه لا يحتاج أن يخبركم عن ذنوب عباده، ولا يحتاج منكم أن تخبروه عن ذنوب عباده؛ لأنّه خبير بها.