سورة البقرة ٢: ٢٠
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}:
سبب النّزول:
عن ابن عبّاس وابن مسعود رضي الله عنهما، وغيرهما، في نزول هذه الآية؛ قالوا: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة، هربا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر، الذي ذكر الله، فيه رعد شديد، وصواعق، وبرق، فكان كلما أضاءت لهما الصواعق، جعلا أصابعهما في آذانهما من الفَرَق (الخوف)، أن تدخل الصواعق في مسامعهما، فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشوا في ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا، وقاما مكانهما لا يمشيان، فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا، فنأتي محمداً، فنضع أيدينا في يده، فأصبحنا، فأتياه، فأسلما ووضعا أيديهما في يده، وحسن إسلامهما.
{يَكَادُ}: من أفعال المقارنة.
{الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}: أي: يكاد نور القرآن، أو ما نزل عليهم من ربهم، يخطف أبصارهم، من شدة نوره، كما أنّ البرق يخطف بصر الناظر إليه.
{كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ}: كلّما؛ ظرفية، زمانية، متضمنة معنى الشرط؛ أي: إذا كان القرآن، أو الدِّين موافقاً لهواهم، ولا يذكرهم بسوء، ويعطيهم، من الغنائم، ولم يفتنوا، ويعصهم من القتل، مشوا فيه، استمروا على إسلامهم.
{وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}: وإذا لم يوافق هواهم، وطلب منهم الإنفاق في سبيل الله، والجهاد، أو أصابهم مرض، أو فقر، أو مخمصة في سبيل الله، وقفوا، وضعف إيمانهم، وقالوا: هذا كله بسبب دين محمّد، كالذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير، اطمأنّ به، وإن أصابته فتنة، انقلب على وجهه، فخسر الدّنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}: لو؛ حرف امتناع لامتناع.
{لَذَهَبَ}: اللام؛ لام التأكيد.
{لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}: أي: أزالها بلا عودة، بالرعد والبرق، والصواعق، أو أزالها، أو طمسها من دون سبب، أو عطلها، أو محاها، أو بدلها، أو شوهها، والباء؛ {بِسَمْعِهِمْ}: للإلصاق، ولكنه سبحانه لم يشأ، وأبقى لهم ذلك، لتكون عليهم حجة، وتشهد عليهم يوم القيامة، بما كانوا يعملون، أو لعلهم يتوبون، ويعودون على رشدهم.
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}: إن للتوكيد.
{اللَّهَ}: اسم الله الأعظم، الذي تفرد به، واختصه لنفسه. راجع الآية (٢٥٥) من هذه السورة للبيان.
{عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}: قدير؛ صيغة مبالغة لقادر. وقادر: أي: إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، والقدير: أي: الفعال، لكل ما يشاء.
{شَىْءٍ}: نكرة؛ مهما كان نوعه، وشكله، وحجمه، ومكانه، ولونه، وصفته، وعظمته.
{قَدِيرٌ}: أي؛ القوي، القادر، والقدير؛ العظيم الشأن، فيما يقدر عليه، قادر على خلق الشيء، وجعله؛ أي: تصريفه كما يشاء، والقدرة عليه، والعلم به وقدرته، على مقدار قوته، لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء سبحانه، وفي هذه الآية؛ قدير على الذهاب بسمعهم، وأبصارهم.