سورة البقرة ٢: ٢١
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}:
بعد أن ذكر الله -جل وعلا- ، أصناف النّاس، الثلاث: المتقين، والكفار، والمنافقين، ينادي على النّاس جميعاً في كل زمان ومكان منذ نزول القرآن إلى قيام الساعة.
{يَاأَيُّهَا}: يا: أداة نداء للبعيد، والهاء: في أيها؛ للتنبيه؛ أي: تنبيه الغافل، والساهي.
{النَّاسُ}: بشكل عام اسم للجمع من بني آدم واحده إنسان من غير لفظه، وهي من ألفاظ الجموع ليس لها مفرد، وأصلها أناس حذفت الهمزة للتخفيف، وأناس من الإنس، وهو الألفة؛ أي: يأنس بعضهم ببعض، والناس؛ مشتقة من النوس، وهو الحركة، من ناس ينوس؛ أي: تحرك، وكلمة النّاس؛ لا تدل على عدد معين.
{اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}: العبادة في الأصل، هي الخضوع لله والتذلل له بالطاعة، طاعة العابد للمعبود، فيما أمر به، وفيما نهى عنه، والعبادة لها منهج؛ افعل ولا تفعل، ولها جزاء، ولا تكون إلّا للخالق وحده، ولا تكون إلّا مع المعرفة بالمعبود، وطاعة الرسول؛ من طاعة الله. والعبادة مأخوذة من كلمة التعبيد أي: التذليل، ومنه القول: طريق معبد أي: مذلل للسالكين. ارجع إلى سورة النحل آية (٧٣) للبيان المفصل لمعنى العبادة.
{رَبَّكُمُ}: الرب؛ المتولي أمور الربوبية، فهو الخالق، والهادي، والرازق، والمدير لشؤونكم، وقوله: {رَبَّكُمُ}؛ ولم يقل: اعبدوا الرب، فيه تشريف، وتكريم للناس، الّذين يعبدون ربهم.
{الَّذِى}: اسم موصول، يفيد التعظيم.
{خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}: الخلق، هو الإيجاد، ابتداءً، بتقدير، وتسوية، وحساب، واصل الخلق، التقدير: خلق الثوب؛ أي: قدر أبعاده، والخلق؛ يكون من العدم (لا شيء) أو من شيء، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْـئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، والّذين قبلكم، من النّاس، وفائدة ذكر، {مِنْ قَبْلِكُمْ}، أبلغ في التذكير، وأقطع للجحد، وأقوم في الحجة.
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: لعل للتعليل؛ أي: اعبدوا ربكم، راجين أن تكونوا من المتقين، إذا عبدتم ربكم، وقدَّمتم الأسباب الأخرى للتقوى، وسألتم الله العون والقبول، فعسى أن تكونوا عندها، من المتقين.