سورة القصص ٢٨: ٥٩
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ}: ما النّافية، كان ربك: أيْ: من السنن الكونية الثّابتة ما كان مهلك أهل قرية من القرى حتّى يبعث فيها رسولاً يتلو عليم آيات الله، وهذا هو الشّرط الأوّل، وأمّا الشّرط الثّاني: أن يكون أهلها ظالمين.
{مُهْلِكَ الْقُرَى}: أيْ: مهلك أهلها. ارجع إلى سورة الأعراف آية (٤) لبيان معنى الهلاك.
{حَتَّى}: حرف نهاية الغاية.
{يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا}: البعث يكون لإحياء منهج موجود سابقاً وذلك ببعث رسول أو نبي، أمّها: في العاصمة أو أمّ القرى، أو أعظم القرى. في أمها: ولم يقل: إلى أمها؛ فهذا يدل على البعث المتواصل، وأكثر من رسول أحياناً.
ارجع إلى سورة البقرة آية (١١٩) لبيان معنى البعث.
{رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}: ولهدايتهم وتبيان ما أنزل الله تعالى إليهم ودعوتهم للإيمان؛ لإلزام الحُجَّة وإقامتها عليهم وقطع المعذرة والإنذار بالهلاك.
{آيَاتِنَا}: الآيات التّشريعية أو آيات الكتاب والآيات الكونية والمعجزات أو البينات وإضافة الآيات إليه: تشريف لها وتعظيم لقدرها.
{وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى}: ما: النافية لكل الأزمنة. كنا: في الماضي والحاضر والمستقبل. مهلكي: حذف النون للإيغال في النفي بدلاً من مهلكون؛ أيْ: حال كونهم ظالمين، وتكرار ما يفيد توكيد النّفي. القرى: جمع قرية أيْ: أهلها. وقوله مهلك القرى، ثم قوله تعالى مهلكي القرى: تدل على التوكيد الشديد لن يهلك الله سبحانه قرية أو قوماً بظلم أبداً.
{إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} إلا: أداة حصر؛ أي: ما كنا مهلكي القرى في كل حال من الأحوال إلا في حال كونهم ظالمين، لم يقل: يظلمون: ظالمون أيْ: أصبح الظّلم صفة ثابتة عندهم، يهلكهم حين يتمادون في ظلمهم ويستمرون عليه، ولا يتوبون، والظّلم يعني: الشّرك وفعل المعاصي والطّغيان والكبائر، والخروج عن منهج الله تعالى. ولا ننسى قوله تعالى في سورة الأنعام آية (١٣١) {ذَلِكَ أَنْ لَّمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ}؛ أي: الإهلاك لا يقع مع الغفلة، بل لا بد أن يسبقه إرسال الرسل.
وقوله تعالى في سورة هود آية (١١٧): {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}؛ أي: الإهلاك لا يقع أبداً في حال كون أهل القرية مصلحين.