سورة العنكبوت ٢٩: ٢٤
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}:
{فَمَا كَانَ}: الفاء للترتيب والتّعقيب وما النّافية.
{جَوَابَ قَوْمِهِ}: بعد أن دعاهم لعبادة الله وحده ونهاهم عن عبادة الأصنام، وقوله لقومه: أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم، أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون، فقد كان جواب قومه جواب المتكبر الجبار الّذي ليس لديه ما يقوله من حجة أو برهان إلا التّهديد والبطش والقتل.
فما كان جواب قومه: أي فما كان رأي قومه؛ لأنّه لم يكن هناك سؤال أصلاً، وإنما جاء رأي قومه الّذي أجمعوا عليه في صورة الجواب.
{إِلَّا}: للحصر.
{أَنْ}: حرف مصدري يفيد التّعليل.
{قَالُوا}: قال بعضهم لبعض، أو قال أحدهم واستمع الآخرون، أو قال بعضهم: اقتلوه، وبعضهم قالوا: حَرِّقوه، المهم كانوا جميعاً شركاء في الجريمة (القتل أو الحرق).
{اقْتُلُوهُ}: القتل هو هدم بنية الجسم بحيث يصبح غير صالحٍ لسكن الرّوح، فتجبر الرّوح على مفارقة البدن فيحدث الموت.
{أَوْ حَرِّقُوهُ}: (أو) هنا قد تكون للتخيير وقد تعني الإضراب الإبطالي؛ أي: بل حرّقوه.
فأيهما أشد وأبلغ القتل أو الإحراق؟: القتل حتماً نتيجته الموت، والإحراق قد يؤدي إلى الموت أو يبقى الإنسان حياً بعد معالجته.
وأيهما أشد عذاباً طبعاً الإحراق؛ لأنّ ألمه شديد وقد يطول وهو أبشع وسائل القتل.
وحرّقوه، وليس أحرقوه؟ حرّقوه فيها مبالغة في الإحراق؛ أي: أوقدوا له ناراً شديدة لتحرقه، إحراقاً كاملاً رأسه وجسمه ووجهه ويديه ورجليه يؤدي إلى الموت.
{فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ}: الفاء للمباشرة؛ أي: أنجاه الله سبحانه مباشرة بعد أن ألقوه في النّار، أنجاه: تدل على سرعة النّجاة، فليس هناك متسع من الزّمن، ولم يقل فنجّاه الّتي تدل على البطء.
{إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ}: إنّ: للتوكيد، في: ظرفية، ذلك اسم إشارة يفيد البعد، لآيات: اللام لزيادة التّوكيد، ولم يقل لآية وإنما آيات: جمع آية؛ أي: عجائب ودلائل وعبر كثيرة خارقة للعقل في إحراق إبراهيم ونجاته من النّار، وكيف أصبحت برداً وسلاماً على إبراهيم، والسّؤال ألم يكن سبحانه قادراً على أن ينجيه قبل حرقه بالهجرة أو بالهرب مثلاً، وكذلك ألم يكن سبحانه قادراً على أن يطفئ النّار حين أشعلوها ولكنه لم يفعل وإنما كانت الآية أنّه سلب من النّار قدرتها على الإحراق وأبدلها ببرد وسلام وهذا في دلالة أكبر على عظم قدرته سبحانه والنّار آية وجند من جنود الله سبحانه.
آيات: دلالات وبينات تدعو إلى الإيمان والتّوحيد وتدل على قدرة وعظمة الخالق، وأنّه هو الإله الحق الّذي يجب أن يُعبد ويُحمد.
{لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: اللام لام الاختصاص، يؤمنون: ينتفع بها المؤمنون خاصة فتزيدهم إيماناً مع إيمانهم، وقد بيّن الله سبحانه في سورة الصّافات الآية (٩٧-٩٨) كيف تمَّ إحراقه فقال تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِى الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}.