سورة العنكبوت ٢٩: ٢٥
{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}:
{وَقَالَ}: إبراهيم بعد أن أنجاه الله من النّار ورجع يدعو قومه إلى الإيمان مرة أخرى: إن لم تؤمنوا بكل هذه الآيات الدّالة على عظمة وكمال قدرة الله تعالى.
{إِنَّمَا}: للتوكيد والحصر والقصر على اتخاذ الأوثان من أجل المودة لإظهار حمقهم وسفاهة عقولهم، وكذلك تكبرهم وعنادهم.
{اتَّخَذْتُم مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: أي إنما عبدتم هذه الأوثان مودة بينكم؛ أي:
١ - لتتوادوا من دون الله، أو للألفة بينكم والتّحابّ لاجتماعكم على مذهب واحد وعقيدة واحدة باطلة هي عبادتها وتعظيمها.
٢ - أو تعني: اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم؛ أي: تودون بعضكم بعضاً بسبب الأوثان.
٣ - أو اتخذتموها مودة لتودّوا آباءكم الأولين وسيراً على منهجهم.
٤ - أو تحبوها حباً شديداً لا أنها لا تضر ولا تنفع.
{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ}: أي هذه المودة بينكم وبين بعض، بينكم وبين هذه الأوثان أو بينكم وبين آبائكم الأولين، وكلّ هذه الصّلات والرّوابط في هذه الحياة الدّنيا ستزول وتنقطع يوم القيامة ولا يقف الأمر عند ذلك بل سيكفر بعضكم ببعض؛ أي: سيتبرأ بعضكم من بعض؛ أي: القادة من الأتباع أو الّذين استكبروا من الّذين استضعفوا.
{وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا}: يلعن الأتباع المتبوعين ويلعن الرؤساء الضعفاء، ويلعن عبدة الأوثان الأوثان، واللعن: الدّعاء بالبعد والطّرد من الخير أو رحمة الله والدّعاء عليهم بالعذاب.
{وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ}: مكانكم ومستقركم ومنزلكم النّار، والمأوى اسم مكان من: أوى يأوي، والمأوى: المنزل.
{وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}: ناصرين: جمع نصير، نصير: صيغة مبالغة، والنصير: أقوى من الناصر. ما للنفي، لكم: اللام لام الاختصاص، لكم عبدة الأوثان، من: استغراقية تستغرق؛ أي: تشمل كل نصير؛ أي: لا نصير ولا ناصر ينصرونكم من عذاب الله؛ أي: يمنعونكم أو يشفعوا لكم أو يخففوا عنكم العذاب، وكما قال في آية أخرى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} الزّخرف: ٦٧. فالمودات تنقلب إلى عداوات إلا المحبة في الله فهي التي تدوم في الدّنيا والآخرة.