سورة العنكبوت ٢٩: ٥٢
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}:
{قُلْ}: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكفار مكة وكفار أهل الكتاب.
{كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا}: هذه هي الآية الوحيدة في القرآن التي أخر فيها شهيداً على بيني وبينكم. انظر في ملحق الآية للإجابة على هذا السؤال؛ أي يكفي أن يشهد الله عز وجل أنّي رسوله وأنّ هذا كتابه، شهيداً: ولم يقل شاهداً، الشّهيد فيه مبالغة في الشّهادة؛ أي: يعلم تفاصيل ما حدث بيني وبينكم، بالله: الباء للإلصاق والتّوكيد؛ أي: شهيداً على أنّي رسول الله إليكم، وأنّي قد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم، الإنذار المبين، والبلاغ المبين.
{يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: أي كفى به شهيداً؛ لأنّه سبحانه يعلم ما في السّموات والأرض، ولا أحتاج إلى شهيد غيره.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ}: والّذين آمنوا منكم بالباطل. الباطل لغةً: هو الذاهب الزائل، أو الفاسد، وليس له وجود في الأصل، ويطلق على الظلم، والشرك والكذب والإحباط والشيطان، وعبادة الأوثان والأصنام وأشركوا، وكفروا بالله: الباء تدل على كفر العقيدة، جحدوا بوجوده أو وحدانيته مع كلّ هذه الأدلة والبينات.
{أُولَئِكَ}: اسم إشارة يفيد البعد.
{هُمُ}: للتوكيد.
{الْخَاسِرُونَ}: لأنفسهم يوم القيامة، وسماهم الخاسرون؛ لأنّهم اشتروا الكفر بالإيمان؛ أي: آمنوا بالباطل وكفروا بالله فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فهم الخاسرون، ولم يقل هم الأخسرون؛ لأنّ كفرهم وعدم إيمانهم مقتصر عليهم أنفسهم ولم يضلوا غيرهم. ارجع إلى سورة النساء آية (١١٩)، وهود آية (٢٢)، والحج آية (١١) لمزيد من البيان في التفريق بين الخاسرون والأخسرون والخسارة.
انتبه هذه الآية الوحيدة الّتي آخر كلمة (شهيداً) فقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} وفي كلّ الآيات المشابهة قدم شهيداً فقال تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} الرعد: ٤٣ وهذا هو الأصل.
فلماذا خرج عن الأصل في آية العنكبوت؟ الجواب: خرج عن الأصل لكي يُتبع الصّفة موصوفها، الصّفة: يعلم، والموصوف شهيداً: فقال تعالى: شهيداً يعلم، ولو قال تعالى شهيداً بيني وبينكم يعلم، لحدث تأخير بين الصّفة والموصوف مما يدل على ضعف الكلام أو الجملة، وقد يحدث ذلك ويجوز أن يفصل ولو بفاصل طويل إذا كان هناك مبرر أو سبب.