سورة الروم ٣٠: ٤٤
{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}:
{مَنْ كَفَرَ}: من: شرطية، ومن تصلح للمفرد والمثنى والجمع، كفر بالله تعالى وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر.
{فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}: الفاء: للتوكيد، عليه: على تفيد الاستعلاء والمشقة والعلو؛ أي: فعليه وبال كفره أو عليه وزره.
{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا}: من: الشّرطية كالسابقة، عمل صالحاً: الفروض والنوافل.
{فَلِأَنفُسِهِمْ}: الفاء: للتوكيد، أو رابطة لجواب الشرط، واللام لام الاختصاص والاستحقاق. له: تفيد النفع.
{يَمْهَدُونَ}: مأخوذة من المهد وهو: فراش الطفل، ومهَّد فراشه؛ أي: وطّأه، يوطّئون لأنفسهم منازل في الجنة. مهد لنفسه الطريق إلى الجنة، أو مهد لنفسه بعمله الصالح؛ أي: سهّل لنفسه دخول الجنة.
انتبه إلى قوله (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً) جاءت بصيغة المفرد، أما قوله: (فلأنفسهم يمهدون) جاءت بصيغة الجمع ولم يقل فلنفسه يمهد، قالوا: لأن ثواب عمله الصالح الّذي يعمله لنفسه كذلك تستفيد منه ذريته. كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}. الطور: ٢١.
ولماذا قدّم الكفر على الإيمان فقال: (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم) أي: قدّم الكافر على الّذي يعمل صالحاً؛ لأنّ سياق الآيات في الحديث عن الفساد في البر والبحر كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} آية: ٤١، وكذلك قوله تعالى في الآية (٤٢): {قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ}، وكذلك لكثرة الكافرين مقارنة بعدد المؤمنين.
ولماذا قال: (من عمل صالحاً) ولم يقل آمن وعمل صالحاً؛ لأن العمل الصالح لا يُقبل إلا بالإيمان؛ أي: لا يُقبل إلا إذا كان مقترناً بالإيمان فلا داعي لذكر الإيمان، أو لأنه ذكر الإيمان في الآية القادمة (٤٥).