سورة لقمان ٣١: ١٠
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}: خلق السّموات: ارجع إلى سورة الأنبياء آية (٣٠)، وسورة فصلت آية (١٠-١١): لمعرفة معنى الخلق.
ورفعها بغير عمد ترونها. العمد: الدعامة أو العواميد.
فالسموات مرفوعة بعمد؛ أي: لها عمد ولكن لا نراها، فالمنفي هنا الرؤية وليس العمد، والقول: ليس لها عمد على الإطلاق؛ أي: مرفوعة بلا عمد: غير صحيح.
والعمد هي القوى التي تمسكها وهي:
١ - القوى النووية الشديدة.
٢ - القوى النووية الضعيفة.
٣ - القوى الكهربائية المغناطيسية (الكهرومغناطيسية).
٤ - قوى الجاذبية وهي أضعف القوى المعروفة وتساوي (١٠-٣٩) من القوة النووية الشديدة.
ويجب أن نفرق بين قوة الجاذبية: وهي قوة الجذب للمادة الموجودة في تركيب جسم ما، وبين موجات الجاذبية الصادرة عن قوى خارجية صادرة عن الأجرام السماوية الأخرى. ارجع إلى سورة الرعد آية (٢) لمزيد من البيان.
{وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}: ألقى في الأرض رواسي (جبال) تشكلت من مكونات المواد البركانية التي سقطت على الأرض، فالرواسي تشمل الجبال والألواح القارية في عمق البحار، والمعادن الصلبة كالحديد في باطن الأرض، وهناك فرق بين (ألقى) و (جعل) فيها رواسي: ألقى يدل على أن الجبال تشكلت مما يخرج من باطن الأرض من الحمم البركانية، والجعل يشير إلى الألواح القارية والمواد الصلبة المكونة لباطن الأرض.
{أَنْ}: تعليلية.
{تَمِيدَ بِكُمْ}: تضطرب بكم وتتحرك وتهتز؛ أي: لئلا تَميد بكم، أو كراهة أن تميد بكم وتحدث الزلازل والبراكين.
وفي هذه الآية قال تعالى: {تَمِيدَ بِكُمْ}، وفي سورة النّحل آية (١٥): {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}، أما في سورة الأنبياء آية (٣١) قال تعالى: {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}.
والفرق بين الآيتين: يستعمل الله سبحانه {تَمِيدَ بِكُمْ} في سياق ذكر نِعم الله تعالى على عباده.
ويستعمل {تَمِيدَ بِهِمْ} في سياق تبيان عظمته وقدرته سبحانه.
{وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}: البث: النَّشر فيها (في الأرض)؛ من: استغراقية، والدابة: كل ما يدبّ على الأرض؛ أي: يمشي على الأرض من الحيوانات عامة والثقلين الإنس والجن؛ ارجع إلى سورة البقرة آية (١٦٤)، والعنكبوت آية (٦٠) لبيان معنى دابة.
{مِنْ}: استغراقية تستغرق كل دابة، وأحياناً قالوا: الدابة تشمل الإنسان والجن والحيوان. ارجع إلى سورة العنكبوت آية (٦٠) لبيان معنى دابة.
وهذا البث والنَّشر آية من آيات الله تعالى، فكل دابة موزعة على سطح وباطن الأرض تشكل أمماً أمثالنا.
{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}: بعد أن ذكر وألقى وبثّ قال: وأنزلنا.
{وَأَنزَلْنَا}: ولم يقل وأنزل، أسند الإنزال إليه سبحانه واستعمل ضمير التعظيم.
{مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}: من السماء من السُّحب الرُّكامية، ماءً: ماء المطر، والسماء تعريفها: كل ما يعلوا الإنسان فالسماء تعني: السحب.
{فَأَنبَتْنَا فِيهَا}: في الأرض. أنبتنا: للتعظيم، أو الجمع، وتعني: مشاركة الإنسان في عملية الإنبات، والزرع والحرث وغيرها.
{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}: من استغراقية، كل زوج كريم، زوج: صنف.
زوج كريم: البالغ في الجودة الكثيرة والخير والنفع، كثير النفع.
وحين يتحدث عن البهجة والسرور على نفس الناظر يقول زوج بهيج. ارجع إلى سورة الشعراء آية (٧) للبيان المفصل في معنى زوج كريم وزوج بهيج.