سورة لقمان ٣١: ١٧
{يَابُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}:
بعد ذكر مبادئ وأسس العقيدة ومنها التوحيد والشكر والعلم والقدرة والتعريف بقدرة هذا الرب والإله، يأمر لقمان ابنه بالعبادات.
{أَقِمِ الصَّلَاةَ}: لأن الصّلاة عماد الدين والركن الأول بعد الشهادة، فهي لا تسقط بأي حال عن المؤمن مهما كان حاله ولو كان مريضاً أو على سفر، ولذلك خصها وحدها، وهي تمثل سائر العبادات الأخرى من زكاة وحج وصيام وشهادة وغيرها.
لماذا لم يأت بذكر الزكاة مع العلم أن كل الآيات تقرن إقامة الصّلاة بالزكاة؟
السبب في عدم ذكر الزكاة:
١ - لأن ابنه لا زال في سن قبل البلوغ، والزكاة يُكلف بها العبد بعد سن البلوغ.
٢ - الزكاة تقع على ذمة لقمان في هذه الحالة.
{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ}: أي أمُر نفسك وأمر غيرك وحثّهم على تأدية حقوق الله تعالى وطاعة الله مثل الحض على الجماعة في المسجد وعدم ترك فريضة الصيام، أو بتأدية حقوق العباد وعدم تعطيل مرافق البلد، وتوفير المياه، والحث على التبرع وعدم المماطلة في دفع الدَّين، حتى الرأفة بالحيوانات واتباع مكارم الأخلاق، وثواب الأمر بالمعروف يعود على صاحبه.
{وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ}: وتعريف المنكر: هو كل ما أنكره الشرع وحرمه أو الطبع السليم من أفعال وأقوال، ومنه ما يتعلق بالعبادات مثل الإخلال بالصلاة وأوقاتها، والنهي عن الخيانة والغدر والتقصير في دفع الزكاة، والتوسل بأصحاب القبور والأولياء، واختلاط الرجال بالنساء والخمر والعري والغش والغناء وشرب الخمور وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وغيرها من الأعمال المنكرة.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الإسلام المقررة بالتضامن بين الحكومة والأفراد وهو واجب، ولا بد للقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العلم بالمعروف؛ ليأمر به والعلم بالمنكر لينهى عنه، وتطبيق الرفق والصبر بالعباد ومعرفة كيفية القيام بذلك.
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}: من جراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو اصبر على المكاره وأذى النّاس ابتغاء وجه الله ومرضاته.
ما: اسم موصول بمعنى الذي، وما: أوسع شمولاً من الذي.
{إِنَّ ذَلِكَ}: إن: للتوكيد، ذلك: اسم إشارة للبعيد يشير إلى إقامة الصّلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على أذى النّاس من عزم الأمور.
{مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}: أي من الأمور التي تحتاج إلى عزيمة ونية وقوة وقدرة على القيام بها؛ أي: إذا نويت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحمل أذى النّاس، اعلم أنك تحتاج إلى صبر وعزيمة فائقة وقوة، فاجمع قوتك وقم بذلك من باب الندب. وكما قال في سورة آل عمران آية (١٨٦): {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
لنقارن الآية (١٧) من سورة لقمان مع الآية (٤٣) من سورة الشورى وهي قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
في آية لقمان قال تعالى: {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، وفي آية الشورى: {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} زاد اللام الدالة على التّوكيد؛ لأن الصبر في الشورى صبر أشد وأقوى؛ لأنه صبرٌ على من ظلمك وأساء إليك، بينما الصبر في آية لقمان صبر على مكروه مثل مرض أو خسارة، ليس هناك غريم أو خصم.