سورة لقمان ٣١: ١٩
{وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}:
في الآية السّابقة قال لقمان لابنه: ولا تمشِ في الأرض مرحاً.
ولم يُبين له كيف يمشي، بل نهاه فقط عن المشي مرحاً.
فجاء في هذه الآية يبين له كيف يمشي فقال له:
{وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ}: القصد هو الاعتدال أو التوسط بين البطء والإسراع، والاعتدال لا يعني طأطأة الرأس ويعني: وعدم المشي قفزاً وبسرعة.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}: أي اخفضه أو اقصره، وحسبك من الرفع ما يبلغ أذن السامع؛ أي: لا ترفعه لأن علو الصوت يدل على الغرور وعدم احترام الآخرين؛ أي: الزم الاعتدال في الصوت فذلك أقرب لفهم الكلام واستيعابه.
{مِنْ صَوْتِكَ}: من بعضية.
{إِنَّ}: للتوكيد واللام في كلمة (لصوت) للتوكيد أيضاً.
{أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}: شبه رفع الصوت بدون مبرر بصوت الحمير. أنكر الأصوات: أسوأ وأوحش الأصوات (الأجناس من الحيوانات)؛ أي: لا تستسيغه وتنفر منه النفوس فلا يجوز رفع الصوت إذا كان المستمع ليس عنده آفة في السمع، أما إذا كان عنده آفة في السمع فلك أن ترفع صوتك حتى يسمعه الآخر، وقال: (صوت) وليس أصوات الحمير؛ لأن المراد هو صوت الجنس وهذا التشبيه فيه ذم لمن يرفع صوته بلا عذر وفيه تثبيط عن رفع الصوت.
واعلم أن الحمار هو مسخر لك من الله؛ أي: مذلل لك؛ لكي تستخدمه كيف تشاء، وكما ذكر في الحديث أن الحمار ينهق إذا رأى شيطاناً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوّذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً) أخرجه البخاري في صحيحه.
أو ربما ينهق ليهتدي إليه صاحبه ويعرف مكانه، والله أعلم. والمهم أن نعلم أن لكل صوت يصدر شدة وله طبقة، وطبقة الصوت: هي قوة الصوت أو شدة الصوت هي المسافة بين المصدر والسامع، وطبقة الصوت تعني سرعة تردده أو ذبذبته وتقاس بالهرتز.
وصوت الحمار يصل إلى أكثر من (٣٠٠) هرتز، وشدته أكثر من (١٠٠) دسبل، أما صوت الإنسان يتراوح بين (٤٠-٥٠) ولا يتجاوز (١٠٠) في أشد الحالات. واعلم أن المنكر هنا أن يرفع الإنسان صوته بلا مبرر أو حاجة، فيكون صوته عندئذٍ كصوت الحمير، أوّله زفير وآخره شهيق.
واختار هذه المواعظ؛ لأن الكلام والصوت والمشي من أهم متطلبات الحياة في كل لحظة. وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٥٠) من سورة المدثر وهي قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ}: نجد أن كلاهما (حمر وحمير): جمع حمار، واستعمل القرآن كلمة حمر: للحمر الوحشية، وكلمة حمير: للحمر الأهلية.