سورة الأحزاب ٣٣: ٥٧
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}:
{إِنَّ الَّذِينَ}: إنّ للتوكيد، الّذين اسم موصول يفيد الذّم.
{يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}: الإيذاء هو إيقاع الأذى، أي: الضرر بالقول أو الفعل بالمؤذَى، والإيذاء بحق الله ورسوله، أو أزواجه وأهله قد يعني: فعل ما يكرهه الله ورسوله من الكفر والمعاصي والتّكذيب، ومخالفة الشّريعة على سبيل المجاز، والإيذاء بحقِّ الله ورسوله له معنى خاص.
فالإيذاء الّذي يقع بحق الله تعالى لا يكون بالفعل فلا يستطيع أيُّ مخلوق من خلقه مهما كان شأنه في الأرض أو في السّماء أن يفكِّر أن يؤذي الله سبحانه؛ لأنّه سبحانه العزيز القوي القهار الجبار، والإيذاء قد يكون بالقول فقط حين يقولون أو يفترون الكذب على الله عز وجل، مثل قولهم: إنّ الله فقير ونحن أغنياء، أو إنّ الله هو المسيح ابن مريم، أو الملائكة بنات الله، أو يسبون الدّهر والله هو الدّهر، أو أن يجعلوا بينه وبين الجنة نسباً، والإلحاد في أسمائه وصفاته وذاته.
فقد روى البخاري في صحيحه قال: قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، أمّا إيذاء الرّسول -صلى الله عليه وسلم- فقد يحصل بالقول والفعل حين قالوا: ساحر، أو كاهن أو مجنون أو شاعر، وبالفعل حين شجَّوا وجهه الشّريف وكسروا رباعيته يوم أحد وغيرها، وكلمة يؤذون: جاءت بصيغة المضارع للدلالة على تجدُّد وتكرُّر إيذائهم، وأنّه لم يتوقف.
{لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}: أيْ: طردهم وأبعدهم الله تعالى عن رحمته، ومثال على ذلك المعيشة الضّنكة والعذاب في الحياة الدّنيا بشتى أنواعه.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}: أعد: هيَّأ وجهَّز، لهم: اللام لام الاستحقاق والاختصاص، عذاباً مهيناً: أي: مخزياً لكونه أمام الخلائق يوم القيامة وبِذلَّة، والأليم.