سورة الأحزاب ٣٣: ٥٩
{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}:
أسباب النّزول: كما أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما ضُرب الحجاب لحاجتها فرآها عمر، فقال: يا سودة أما والله تخافين علينا فانظري كيف خرجت، قالت: فانكفأت فأخبرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال عمر فنزلت هذه الآية.
وقيل: كان بعض المنافقين يتعرضون للنساء في الليل إذا خرجن لحاجتهنَّ، فنزلت هذه الآية، والمهم هو عموم اللفظ وليس خصوص السّبب، وهذا ما يحدث في عصرنا الحاضر من تعرض نساء المؤمنين للإيذاء بالأقوال وبالأفعال من قبل ضعاف الإيمان وأولاد الشوارع.
{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ}: نداء بياء النّداء، أيّها: الهاء للتنبيه، نداء تكريم وتشريف.
{قُلْ لِّأَزْوَاجِكَ}: اللام لام الاختصاص، أزواجك: وكنَّ تسعة حين نزول هذه الآية، وهنَّ: عائشة وحفصة وأمّ حبيبة وأمّ سلمة وسودة بنت زمعة وميمونة وزينب وجويرية وصفية.
{وَبَنَاتِكَ}: وكن أربعة: فاطمة وزينب ورقية وأمّ كلثوم.
{وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ}: عامة وكلمة نساء جمع لا مفرد لها وليس مثل كلمة أزواج مفردها زوج، إذن كلمة نساء لا يعرف لها مفرد كما أنّ كلمة امرأة ليس لها جمع فلا تجمع على امرآت مثلاً، وأصل كلمة النّساء من النسيء: وهو التّأخير؛ لأنّ المرأة خلقت بعد خلق الرّجل كما قال البعض.
انتبه: إلى قوله: لأزواجك ولم يقل: ولبناتك ولنساء المؤمنين، وإنما قال: بناتك ونسائك، أكد باللام على أزواج النّبي؛ لأنّهن هن القدوة لكلّ النّساء وأمّهات المؤمنين، ولم يؤكد على بناته ونساء المؤمنين.
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}: الإدناء: هو الإرخاء والإسبال على الوجه والبدن أيْ: يسترن أجسامهنَّ من الرّأس إلى القدم، والإدناء أصله التّقريب، من جلابيبهنَّ: من ابتدائية، والجلباب هو ثوب يُلبس فوق الثّياب الدّاخلية وهو ثوب يستر جميع الجسم والصّدر، وأمّا الخمار فهو غطاء الرّأس تحديداً، وأمّا الجيب: فهو فتحة الصّدر.
{ذَلِكَ}: ذا اسم إشارة واللام للبعد يشير إلى إدناء الجلابيب.
{أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ}: أدنى: أقرب أو أحرى أن يعرفن: أن حرف مصدري يفيد التّعليل والتّوكيد، أيْ: لكي يعرفن أو أقرب أن يعرفن ويُتبيَّن أنّهنَّ من الحرائر.
{فَلَا يُؤْذَيْنَ}: الفاء للتوكيد، لا النّافية، ويؤذين مبني للمجهول، أيْ: من قبل السّفهاء وأهل الرّيبة بالتّعرض لهنَّ، فكأن لباس الجلباب فيه إشارة أو علامة على أنّ المرأة حرة من الحرائر، فالأولى عدم التّعرض لها والإساءة لها.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}: غفوراً لمن تركت منهنَّ السّتر قبل نزول هذه الآية، غفوراً: صيغة مبالغة كثير الغفر هو السّتر ستر الذّنوب ومحوها والثّواب على العمل الصّالح، رحيماً: بعباده المؤمنين في الدّنيا والآخرة يرشدهم إلى ما فيه الخير والصّلاح والسّداد والصّواب، رحيماً صيغة مبالغة كثير الرّحمة وصفة الرّحمة ثابتة له.