سورة فاطر ٣٥: ٣٢
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}:
{ثُمَّ}: تفيد التّرتيب والتّراخي في الزّمن.
{أَوْرَثْنَا}: التوريث عطاء لمن يستحق من غير كدٍّ أو تعب، شبه إعطاء الكتاب (القرآن) بتوريث الوارث، أورثنا: بصيغة الجمع: للتعظيم؛ أي: عظم المورث وعظم الموروث، فالمورِّث هو الله سبحانه، الورثة: الّذين اصطفينا، والموروث هو القرآن الكريم.
وقدم الكتاب (القرآن) على الذين اصطفينا للأهمية، ولأن سياق الآيات على الكتاب مقارنة بقوله تعالى في سورة غافر آية (٥٣) {وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ الْكِتَابَ} فقد قدم بني إسرائيل؛ لأن السياق في بني إسرائيل؛ أي: موسى وهارون ومن حملوا الرسالة إلى بني إسرائيل.
{الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}: أي: اختيروا من عبادنا من أفراد أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأمة محمد اختيرت من بين الأمم فهذا يُعد اصطفاء من أهل الإيمان والتّوحيد، ومن قال: لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله فهو يعتبر مصطفى.
عبادنا: إضافة عباده إليه تشريف لهم وتكريم وقدَّم الكتاب (القرآن) وهو الأهم على حملة الكتاب (الّذين اصطفينا).
{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}: اختلف المفسرون في تعريف الظّالم لنفسه والمقتصد، فمنهم: الفاء للتفصيل.
الظّالم لنفسه: الظّالم لنفسه بالتّقصير في حق الكتاب (القرآن)، وقيل: الظالم لنفسه: من رجحت سيئاته على حسناته أو المسيء الظالم لنفسه.
{وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ}: تكرار منهم للتوكيد، المقتصد: الّذي يقرأ القرآن ويحفظ شيئاً منه، وقيل: هو من استوت حسناته وسيئاته أو من اعترف بذنبه وخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وقيل: هم بين الخوف والرجاء.
{وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}: سابق نكرة هناك درجات مختلفة في السّبق الحافظ والمتدبر والعامل به والّذي يُعلمه، وهناك الحافظ للقرآن فقط والحافظ للقرآن والذي يتدبَّره أو الحافظ والعامل به، أو الحافظ والّذي يعلمه للآخرين، وهناك من يقوم بكلّ تلك الأعمال، وقيل: هو الّذي رجحت حسناته على سيئاته أو المخلص المجتهد.
{بِإِذْنِ اللَّهِ}: بإرادة الله وبتوفيقه, وبإذن الله: في القرآن تأتي غالباً في سياق العمل الذي ليس لنا تدخل أو يد فيه؛ أي: هو بتدبير خارج عن إرادة العبد.
{ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}: ذلك: ذا اسم إشارة واللام للبعد ويشير إلى السّبق بالخيرات أو يعود على توريث الكتاب أو توفيقه للسبق.
هو: للتوكيد.
{الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}: جنات عدن يدخلونها يحلَّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير، وهذا الترتيب: تقديم الظالم، ثمّ المقتصد، ثمّ السابق: ترتيب من الأدنى إلى الأعلى أجراً أو حسب المقام أو ترتيب من الأكثر عدداً إلى الأقل عدداً فالظّالمون كثرة والسابقون قلَّة. وقيل: الكلّ في الجنة في نهاية الأمر.