سورة يس ٣٦: ٦٨
{وَمَنْ نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ}:
المناسبة: ثمّ يحذر الله سبحانه من إضاعة مرحلة الشّباب والفتوة وما قد يحدث له في المستقبل إذا بقي حياً.
{وَمَنْ}: الواو استئنافية، من بمعنى الّذي، ومن تعني: العاقل، وتشمل المفرد والجمع.
{نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ}: نعمّره: أي نمدّ له أو نطيل له في عمره، نعمّره تدل على الحاضر حالة مستمرة إلى الآن، ننكّسه في الخلق: نقلبه إلى الأسفل، وقيل: الانتكاس العودة إلى الوراء والرّجوع إلى ما كان عليه أولاً؛ أي: ننكّس خلقه فنجعل مكان القوة ضعفاً وبدل الشّباب الشّيخوخة فكأنّ طول العمر يعود بالإنسان إلى طفولته فيصبح الإنسان هرماً لا يستطيع الحراك بسهولة، وتضعف ذاكرته وأجهزته وقدرته على المشي.
{أَفَلَا يَعْقِلُونَ}: الهمزة همزة إنكارية على عدم العقل وتوبيخ على أفعالهم، وألا: أداة حض وتنبيه وتحمل معنى الأمر والتّقرير على استعمال العقل، والفاء: تفيد التّوكيد والتّعقيب؛ أي: بعد كلّ هذا البيان لا يعقلون؛ أي: لا يدركون الحقيقة أنه لا إله إلا الله، وأنه المعبود الذي يجب أن يعبد ويطاع.
ولها معانٍ أخرى منها أفلا يعقلون: لا حاجة لإطالة عمر الإنسان أكثر مما قدّر الله له؛ لأنّه كلما طال ازداد ضعفاً وخرفاً، ومن الأفضل له أن يرحل إلى الآخرة. وقوله أفلا يعقلون؛ أي: يكفي العقل هنا ولا يحتاج إلى سواه ليدرك الحقيقة.
وقد تعني أفلا يعقلون: أي هؤلاء المكذبون بالآخرة والبعث والحساب أنّ من يفعل هذا التّنكيس قادر على أن يبعثهم من قبورهم ليجازيهم على ما عملوا في الدّنيا، أفلا يعقلون أن نعمة الصّحة والعافية هي أكبر نعم الله على عبده بعد نعمة الإسلام والإيمان والتّوحيد، فلا يضيعوا شبابهم.
لنقارن (أفلا يعقلون) وقوله تعالى: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} يس: ٦٢.
أفلا يعقلون: هم ما زالوا على قيد الحياة.
أفلم تكونوا تعقلون: هذا السّؤال يوجه إليهم في الآخرة: أفلم تكونوا تعقلون حينما كنتم على قيد الحياة؟!