سورة آل عمران ٣: ١٠٠
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء إلى الذين آمنوا بعد أن وبَّخ أهل الكتاب على كفرهم، وصدهم الناس عن دين الله، نداء بالحذر من إطاعة فريق من الذين أوتوا الكتاب. فقال:
{إِنْ تُطِيعُوا}: إن: شرطية، تفيد القلة، أو الاحتمال.
{فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}: فريقاً، وليس كل الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين؛ أوتوا الكتاب (ولم يقل: أتيناهم الكتاب، أو أهل الكتاب)؛ لأن أوتوا الكتاب، أو أوتوا نصيباً من الكتاب: تأتي في سياق الذم، وأتيناهم الكتاب، أو أهل الكتاب: تأتي في سياق المدح.
سبب نزول هذه الآية: أن شماس اليهودي، وكان شديد الكفر وأصحابه أرادوا الفتنة بين الأوس والخزرج بعد أن رأوا بينهما الوئام، فذكَّروا الأوس والخزرج بحرب بُعاث، فثار الأوس على الخزرج، فعلم بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخرج إليهم، وقال: أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، فخمدت الفتنة وتصالح الطرفان.
{يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}: الارتداد يكون بالإقناع، والحجة الباطلة؛ حتى يرتدوا عن دينهم، ويرجعوا إلى الكفر شيئاً فشيئاً، أما الصد: فهو المنع بالقوة والقهر؛ أي: (يصدوكم): يمنعوكم من الدخول في الإسلام بالحجة والبيان، أو القوة.
والرد: هو الرجوع، أو العودة إلى المكان، (أو الحالة) الذي خرج منها، وفيه إجبار، أو إكراه على العودة، بينما الرجوع العودة إلى المكان الذي خرج منه، وفيه معنى الرغبة؛ أي: يرجع وهو راغبٌ غير مكره، أو مضطر.
ولنقارن هذه الآية: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} مع الآية (١٠٩) من سورة البقرة: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}: نجد أن هناك ثلاثة فروق هي:
١ - أوتوا الكتاب مقابل أهل الكتاب.
٢ - بعد إيمانكم مقابل من بعد إيمانكم.
٣ - كافرين مقابل كفاراً.
١ - أوتوا الكتاب: أقل تكريماً، وتشريفاً، مقارنة بمناداتهم أهل الكتاب، أهل الكتاب أفضل درجة من أوتوا الكتاب.
٢ - بعد إيمانكم: محاولة الرد إلى الكفر فيها فسحة وتراخٍ في الزمن، وليست مباشرة، بينما قوله: من بعد إيمانكم: الرد إلى الكفر يعني مباشرة بدون تأخير فوراً وبسرعة.
٣ - كافرين: تدل على الفعل على الحدث، فعل الكفر ونوعه، بينما كفاراً: صيغة مبالغة تدل على ذوات المبالغين في الكفر، وكثرة القيام به.