سورة آل عمران ٣: ١٠٥
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}:
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية.
{تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}: الخطاب إلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهم جزء من الأمة الإسلامية التي امتدت من نوح إلى إبراهيم إلى موسى وعيسى إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-. كالذين: الكاف: كاف التشبيه. الذين: اسم موصول.
{تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا}: تفرقوا: من التفرق، وهو الاختلاف الشديد الذي أدى إلى الابتعاد؛ أي: فارق بعضهم بعضاً فلم يكونوا يداً واحدة، وأما تتفرقوا كما في الآية (١٣) في سورة الشورى ولا تتفرقوا بدلاً من تفرقوا تأتي في سياق تفرق الأمم المختلفة، وتفرقوا تأتي في سياق تفرق أفراد الأمة الواحدة مثل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: اليهود والنصارى على رأي أكثر المفسرين.
{مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}: من: ابتدائية، مباشرة من بعد ما جاءهم البينات. الأدلة الواضحة، والآيات، والأوامر، والنواهي بعدم الاختلاف، والتفرق، والتشيع. ارجع إلى سورة البقرة (٢٠٩)؛ لمزيد من البيان، والفرق بين جاءكم البينات، وجاءتكم البينات.
{وَأُولَئِكَ}: اسم إشارة للبعد.
{لَهُمْ}: اللام: لام الاختصاص، أو الاستحقاق.
{عَذَابٌ عَظِيمٌ}: من أشد أنواع العذاب (يجمع بين كونه عذاباً أليماً ومهيناً ومقيماً).
قال تعالى في هذه الآية: ولا تفرقوا، بينما في سورة الشورى (١٣): {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}: ففي آية آل عمران قال: تفرقوا، حذف إحدى التاءين؛ لأن الخطاب فيها للأمة الإسلامية فقط، بينما تتفرقوا (جاء بتاءين)؛ لأن الخطاب في الآية موجَّه إلى أمم مختلفة من آدم إلى نوح إلى إبراهيم وموسى وعيسى؛ أي: أمم مختلفة، فزيادة التاء تناسب زيادة الأمم.
والتفرُّق في آية آل عمران يختلف عن التفرق في آية الشورى، ففي آل عمران تحذير ونهي عن التفرق مهما كان نوعه، ومهما قل أو صغر، وأما النهي في آية الشورى فهو تحذير أوسع وأشمل.
وانتبه إلى تقديم التفرقة على الاختلاف والأصل هو الاختلاف، وهو الذي يؤدِّي إلى التفرقة، فقدَّم التفرقة على الاختلاف؛ لأنه أحياناً التفرقة هي التي تسبب الخلاف، أو بالعكس الخلاف يؤدِّي إلى التفرقة.
والاختلاف المنهي عنه هو في أصول الدِّين، وتحكيم الأهواء والمصالح، ولا يقصد به الاختلاف في الفروع والاجتهادات في تفاصيل العبادات والمعاملات، فما هو الفرق بين الخلاف والاختلاف؟
فالاختلاف: لغة يعني: عدم الاتفاق، وفي الاصطلاح: أن يذهب كل عالم إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، والاختلاف منه المحمود، ومنه المذموم.
ويكون الاختلاف أمراً مشروعاً إذا توافر فيه أمران:
الأول: أن لكل من المختلفين دليلاً يصح الاحتجاج به، وإذا لم يكن له دليل سقط، ولم يؤخذ به.
الأمر الثاني: ألا يؤدِّي الأخذ بالمذهب المخالف إلى باطل، أو شيء محال؛ فإذا كان كذلك بطل، ولم يؤخذ به.
أما الخلاف: هو الذي يفقد الأمرين، أو الشرطين، أو أحدهما، والخلاف منبوذ، وهو مظهر من مظاهر الهوى.