سورة الزمر ٣٩: ٦
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}:
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}: أيْ: خلقَ آدم وخلقَ حواء وخلق كلّ باقي الإنس من نفس واحدة، أيْ: من ذات واحدة من أصل واحد. ارجع إلى سورة النّساء آية (١) والأعراف آية (١٨٩) للبيان.
{ثُمَّ} ليست للترتيب والتّراخي، وإنما للتباين في الصّفات، أيْ: رغم أن النّفوس متشابهة في الأصل تبقى مختلفة في الطباع والفطرة، مثل تغليب العاطفة على العقل في الأنثى بشكل عام، ومن ناحية الحب والكراهية وغيرها.
{جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: الجعل هو مرحلة بعد الخلق؛ أي: خلقه ثم جعله، والجعل من جعل؛ أي: صيَّر.
{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ}: وأنزل لكم: أي: خلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج، والإنزال يجب أن لا ينظر إليه كجهة فقط فالإنزال قد يأتي بمعنى إنزال الماء (المطر) الّذي يسبب النّبات والعشب الّذي تعيش وتتغذَّى به الأنعام فهو سبب عيشها، أو بمعنى أنزل الشّفرة أو الصّفات الوراثية لهذه الأنعام بأن جعل لكلّ زوج صفاته الخاصة به، وقد تعني: أنزلها من جنة أخرى، ولا تعني: جنة الخلد التي في السماء إنما جنة مثل جنة آدم. (جنة على الأرض)، والله أعلم.
{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}: من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين. ارجع إلى سور الأنعام آية (١٤٣).
{يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ}: يخلقكم في بطون أمهاتكم من نطفة، ثم من علقة، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم مرحلة العظام، ثم يكسو العظام لحماً.
{فِى ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}: قيل ظلمة البطن (جدار البطن)، وظلمة الرّحم (جدار الرّحم)، وظلمة الأغشية المحيطة بالجنين الغشاء غشاء المشيمة، والغشاء الأميونسي، وقيل: الظّلمات الثّلاثة: ظلمة جدار الرّحم وظلمة الغشاء الأميونسي والغشاء الكريوني، وسُمِّيت ظلمة لعدم وجود النّور مثل ظلمة الليل، والظّلمة قد تعني: السّكون والهدوء (في الرّحم).
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}: ذلكم: ذا اسم إشارة واللام للبعد والتّعظيم والكاف للمخاطب، أي: الّذي خلقكم في ظلمات ثلاث وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج هو الله ربكم، فهذا الخلق والقدرة تدل على عظمته ووحدانيَّته، ولذلك بدأ بقوله: (الله) أي: المعبود والإله الحقيقي الّذي يستحق العبادة وحدَه؛ لأنه خلقكم وأنزل لكم من الأنعام.
{رَبُّكُمْ}: الّذي خلقكم ورزقكم ومربيكم ومدبِّر أموركم، فجمع الألوهية والرّبوبية معاً في هذه الآية. وذلكم: تفيد التعظيم، وأوسع معنى للجمع من ذلك وآكد.
{لَهُ الْمُلْكُ}: له تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، له: اللام لام الاختصاص، له الملك: له الحكم والملك (فهو الحاكم والمالك).
{فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}: أنى: تعني كيف ومن أين وتعني الاستفهام الإنكاري والتّعجب من انصرافهم عن عبادة الله الإله الحق إلى عبادة غيره أو انصرافهم عن الحق إلى الباطل، ومن التّوحيد إلى الشّرك، رغم هذه الأدلة والبراهين القاطعة.