سورة غافر ٤٠: ٥٥
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِىِّ وَالْإِبْكَارِ}:
{فَاصْبِرْ}: الفاء للتوكيد، اصبر: الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمته، اصبر على طاعة الله، اصبر على ما يقولون، اصبر على أذاهم، اصبر لحكم ربك، واصبر كما صبر أولو العزم من الرّسل، واصبر حتّى يحكم الله.
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}: إن للتوكيد، وعد الله: الوعد هو الإخبار بالخبر قبل وقوعه، والوعد يستعمل عادة في الخير إذا كان مطلقاً، والوعيد يستعمل عادة في الشّر.
حق: الحق الأمر الثّابت الّذي لا يتغير ولا يتبدل.
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}: لها معان كثيرة، والمهم ألَّا تظن أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد خالف منهج الله سبحانه ووقع في ذنب أو معصية كما نفعل نحن، فالمخاطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمقصود أمته.
فإذا كان الخطاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أي: استغفر إذا وقع منك خطأٌ بغير نية أو قصد، مثل: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} التوبة: ٤٣، {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} التحريم: ١، {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} عبس: ١-٢، أو ما وقع منك قبل النبوة والعصمة.
والاستغفار من أنواع الذّكر للتقرب إلى الله ولو بدون وقوع صغيرة أو ذنب. وإذا كان الخطاب للمؤمنين؛ أي: استغفروا ربكم لذنوبكم وسيئاتكم مهما كان نوعها وسببها وتوبوا إلى الله عز وجل لعلكم تفلحون.
وقد يكون على ما حصل منك قبل النّبوة والعصمة.
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِىِّ وَالْإِبْكَارِ}: أي سبّح ربك تسبيحاً مقروناً بالحمد، أو موصولاً بالحمد؛ لأنّ التّسبيح: هو ثناء على الله، أمّا الحمد: فهو شكر الله على نعمه الظّاهرة والباطنة، والتّسبيح: تنزيه الله تنزيهاً كاملاً مطلقاً عما لا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، تنزيهاً لذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، ومن الشّريك والولد والصّاحبة والنّدّ.
وقيل: إنّ معنى سبّح: صلِّ، وسبّح بالعشي والإبكار؛ أي: صلِّ الصّلوات الخمس، وقيل: صلاة الفجر وصلاة العصر، وقيل: ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي قبل أن تفرض الصّلوات الخمس.
{بِالْعَشِىِّ وَالْإِبْكَارِ}: العشي: من صلاة الظّهر (أو الزّوال) إلى المغرب.
والإبكار: من صلاة الفجر إلى الضّحى.
وبالعشي والإبكار: معرفة، مقارنة بقوله: بكرة وعشياً (نكرة)، بالعشي والإبكار تعني: الدّوام؛ أي كن دائماً مسبّحاً بحمد ربك، وتعني: ليس هناك وقت محدد؛ أي سبّح في أيّ وقت، أو في أي يوم فليس هناك أيام محددة أو وقت محدد.
أما بكرة وعشياً: تعني في وقت محدد مخصص بعينه, ويوم محدد.
وقرن الصّبر مع التّسبيح والحمد والاستغفار؛ لأنّ مما يساعد على الصّبر الصّلاة والتّسبيح والاستغفار، أو قالوا: من مقومات الصّبر الصّلاة والتّسبيح والاستغفار.