سورة الزخرف ٤٣: ٣٢
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}:
المناسبة: يرد الله سبحانه على اعتراضهم بإنزال النّبوة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: أهم يقسمون رحمة ربك.
{أَهُمْ}: الهمزة: استفهام إنكاري وتحمل معنى التّعجب والضّمير يعود على كفار قريش، أهم يقسمون رحمة ربك أهم الّذين يختارون من يكون رسولاً أو نبياً لهم؟
{يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}: أي: النّبوة، وكما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} الأنعام: ١٢٤.
{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: نحن: للتعظيم، قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا: أيْ: قسمنا: وزعنا أرزاقهم بينهم في الحياة الدّنيا فمنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم التّاجر ومنهم المزارع ومنهم الطّبيب ومنهم الصّانع.
{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}: في الرّزق والغنى والفقر والعلم والجاه والصّحة والعافية والقوة والمهن والحرف والوظائف وغيرها.
{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا}: اللام لام التّعليل، سخرياً: أيْ: ليساعد بعضهم بعضاً في سُبل العيش والخدمة، هذا بماله وهذا بعمله، فالطّبيب يحتاج إلى الخباز، والخباز يحتاج إلى الطّبيب، فلو تساوى النّاس في الغنى وفي الحِرف ولم يحتاج بعضهم إلى بعض لتعطَّلت سبل معاشهم وحاجتهم لغيرهم، وهناك فرق بين سُخرياً بضم السين، وسِخرياً بكسر السين، كما ورد في قوله تعالى: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} المؤمنون: ١١٠ التي تعني: السخرية والاستهزاء، وأما سُخرياً بضم السين: من التسخير؛ أي: يخدم بعضهم بعضاً، والتسخير له معنى آخر هو التذليل كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى الْأَرْضِ} الحج: ٦٥.
{وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}: رحمة ربك، أي: النّبوة أو الهداية والقرآن ونعمة الإسلام والإيمان أو الجنة، خير: أيْ: أفضل من، ما: ابتدائية استغراقية، ما (الّذي) يجمعون من المال ومتاع الدّنيا، يجمعون بصيغة المضارع لتدل على التّكرار والتّجدُّد.