سورة الجاثية ٤٥: ٢٤
{وَقَالُوا مَا هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}:
{وَقَالُوا}: تعود على الّذين اجترحوا السّيئات واتخذوا إلههم هواهم وختم على سمعهم وقلوبهم وزيادة على ذلك فهم ينكرون البعث والحساب وقالوا.
{مَا هِىَ}: ما النّافية تنفي الحال غالباً، هي: ضمير فصل للتوكيد تعود على الحياة الدّنيا.
{إِلَّا}: أداة حصر.
{حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}: أي: الحياة محصورة ومقصورة على الحياة الدّنيا الّتي نحياها فليس هناك حياة أخرى أو دار الآخرة، وسُمِّيت بالحياة الدّنيا السّفلى لكونها زائلة وحقيرة.
{نَمُوتُ وَنَحْيَا}: أيْ: بعضنا يموت وبعضنا يُخلق أو يولد، ولا تعني: نموت، ثمّ نحيا نبعث من جديد؛ لأنّهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً.
{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}: ما النّافية، يهلكنا إلا الدّهر: إلا: أداة حصر، أيْ: ما نفنى ونموت إلا بسبب مرور الدّهر: الزّمن الطّويل أو توالي الأيّام. وهذا غير صحيح؛ لأن هناك من يموت في سن مبكرة في سن الطّفولة أو الشّباب.
{وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}: من استغراقية، أيْ: ما لهم: ما النّافية، لهم بذلك: اسم إشارة يشير إلى الدّهر هو سبب هلاكهم، فما لهم بذلك من دليل علمي أو كتاب إلهي أو وحي أو حتّى عقل صحيح يوافق ذلك.
{إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}: إن نافية وأقوى نفياً من (ما)، هم إلا: هم ضمير فصل يفيد التّوكيد، إلا أداة حصر، يظنون: من الظّن هو الاحتمال الرّاجح عندهم أو هو الشّك مع رجحان كفة الإثبات على كفة النّفي، قالوا ذلك بناء على تقليد آبائهم.
لنقارن هذه الآية (٢٤) من سورة الجاثية، وهي قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} والآية (٧١) من سورة الحج، وهي قوله تعالى: {وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ}:
ما لهم بذلك من علم: من هنا استغراقية تستغرق أدنى علم.
ما ليس لهم به علم: هؤلاء عندهم بعض العلم وأفضل من المذكورين في آية الجاثية.
ولنقارن هذه الآية (٢٤) من سورة الجاثية، وهي قوله تعالى: {مَا هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} والآية (٣٧) من سورة المؤمنون، وهي قوله تعالى: {إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}:
(إنْ) أشد نفياً من (ما)، فالذين قالوا: إن هي إلا حياتنا الدّنيا أشد تكذيباً بالبعث، والدّار الآخرة من الّذين قالوا: ما هي إلا حياتنا الدّنيا أشد تكذيباً بالبعث والدّار الآخرة من الّذين قالوا: ما هي إلا حياتنا الدّنيا، أيْ: من النّاس من ينكر البعث والحساب بدرجة (اليقين) مطلقة، ومنهم من ينكر البعث والحساب بشكل نسبي أو شك.