سورة الأحقاف ٤٦: ٢٩
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُنْذِرِينَ}:
المناسبة: بعد أن وبَّخ الله تعالى كفار قريش وذكرهم بقوم عاد، يذكرهم هنا بالجن، فهم أفضل من كفار قريش؛ لأنّهم آمنوا مجرد سماع القرآن، وسبب نزول هذه الآيات، كما ورد في الصّحيحين البخاري ومسلم من حديث ابن عبّاس: أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- بعد رجوعه من الطّائف إلى مكة بعد أن عومل شر معاملة من ثقيف، وحين كان يقرأ سورة الرّحمن في صلاة الفجر ببطن نخلة جاء نفر من الجن يستمعون القرآن من دون أن يعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّهم يستمعون إلى قراءته، فلما حضروه قالوا: أنصتوا، فلما قُضي ولو إلى قومهم منذرين.
{وَإِذْ}: تعني: واذكر، أو اذكر حين صرفنا إليك نفراً من الجن، وإذ: الواو عاطفة، أيْ: واذكر أخا عادٍ، واذكر إذ صرفنا إليك نفراً من الجن.
{صَرَفْنَا إِلَيْكَ}: وجَّهنا نحوك أو أرسلنا إليك. المخاطب هنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
{نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ}: النّفر جماعة دون العشر قيل: (٧-٩) من الجن، جن نصيبين، وكانوا سبعة أو تسعة وقيل من جن نينوى قرب الموصل، وقيل: من أشراف الجن وساداتهم.
{يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}: وأنت تقرؤه في صلاة الفجر ببطن نخلة، يستمعون: سماع بنية وقصد، ولم يقل: يسمعون سماع عادي غير مقصود، فهم أرسلوا إليك لهذه الغاية. وفي سورة الجن قال تعالى: {قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} الجن: ١؛ لنعلم أن سورة الجن نزلت قبل نزول سورة الأحقاف التي أشارت خاصة إلى القرآن بينما سورة الجن تحدثت عن أحوال الجن وعلاقتهم بالإنس وأفعالهم ومنهم المؤمن ومنهم الكافر ومصيرهم في الآخرة.
{فَلَمَّا حَضَرُوهُ}: الفاء عاطفة، فلما حضروه: حضروا استماعه كان -صلى الله عليه وسلم- يصلي الفجر، وقيل: كان يقرأ بسورة الرّحمن، لما: ظرف زماني يتضمن معنى الشّرط.
{قَالُوا أَنصِتُوا}: أمر بعضهم بعضاً بالإنصات وهو: السّكوت والاستماع في نفس الوقت.
{فَلَمَّا قُضِىَ}: الفاء للترتيب والتّعقيب، لما: ظرف زماني يتضمن معنى الشّرط، فلما قضي: فرغ من تلاوته.
{وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُنْذِرِينَ}: ولى: انصرف قاصداً؛ أي: انصرفوا قاصدين إلى (من ورائهم) من قومهم منذرين: من الإنذار وهو الإعلام مع التّحذير والتّخويف، وكما قلنا، لم يعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحضورهم والاستماع إليه إلا فيما بعد. ارجع إلى سورة الجن للبيان، منذرين: أيْ: أبلغوا قومهم ما سمعوه وحذروهم من مخالفة القرآن، وتبيِّن هذه الآية أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بُعث للجن والإنس (للثقلين).