سورة آل عمران ٣: ١٥٩
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}:
{فَبِمَا}: الفاء: استئنافية، والميم: للتوكيد.
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ}: أصلها برحمة من الله لنت لهم، أو لنت لهم برحمة من الله.
رحمة: هي جلب ما يسر، ودفع ما يضر، وتعني: الإنعام على المحتاج، ورحمة هنا: جاءت نكرة؛ للتعظيم.
{لِنْتَ لَهُمْ}: اللين: الرفق، واللطف؛ أي: رفيقاً بهم تعاملهم بالرفق، واللطف. فبرحمة من الله تعالى، وتوفيقه لك جعلك لين المعاملة، ورقيق المعاشرة لهم.
نزلت هذه الآية في أعقاب أحداث أُحُدٍ، حيث لم يعنف -صلى الله عليه وسلم- الذين تولوا يوم أُحُدٍ من المسلمين، بل رفق بهم، فأخبر تعالى أن ذلك كان بتوفيق منه عزَّ وجلَّ.
{وَلَوْ}: حرف امتناع لامتناع.
{كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ}: قاسياً جافاً، قاسي القلب، غليظاً، خشن القول، صعب الخلق.
وأصل كلمة فظاً: هو ماء الكرش (الماء الموجود في الأمعاء الغليظة في الإبل).
فالإبل حين تشرب كميات كبيرة من الماء تخزنها في الأمعاء الغليظة، ثم لا تجد ماء تجتر من الماء المخزون، وهذا الماء كريه غير مستساغ الرائحة، وسموا خشونة القول: فظاظة، والفظ: القول الخشن.
{لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}: أي: تفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد.
{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}: فاعف عنهم أولاً، لما كان بينك وبينهم اعف عنهم لما فعلوه فيك يوم أُحُدٍ؛ حيث عصوا أمرك، وما أصابك من جراح، وبسبب طمعهم في الغنائم.
ثانياً: استغفر الله لهم؛ لأنهم أذنبوا، وعصوا الله ورسوله، فهذا يتطلب منك الاستغفار لهم.
ثالثاً: {وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ}: بعد العفو عنهم، والاستغفار لهم، أصبحوا أهلاً للمشورة، فشاورهم في أمور السلم، والحرب؛ أي: شاور ذوي الرأي، والعلم منهم، والشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام.
{فَإِذَا عَزَمْتَ}: فإذا: الفاء: عاطفة، إذا: ظرف للزمن المستقبل.
{عَزَمْتَ}: العزم: هو الهم بالقيام، وهو القصد الإمضاء فيما جزم عقب المشاورة، أو عزمت ما تريد.
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}: استعن بالله بعد اتخاذ الأسباب الضرورية (التوكل عمل قلبي). ارجع إلى سورة الأعراف، آية (٨٩)؛ لبيان معنى التوكل.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}: إن: للتوكيد، يحب المتوكلين: جمع متوكل، وهو الذي يهيِّئ الأسباب، ثم يدعو الله لمساعدته، ويعتمد عليه سبحانه في شؤونه.