سورة الحجرات ٤٩: ٦
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}:
نداء جديد بتكليف جديد للذين آمنوا.
{إِنْ}: شرطية تستعمل في الأمور النّادرة؛ أي: قليلة الحدوث أو احتمال أن جاءكم فاسق، أو على سبيل الافتراض، ولم يستعمل إذا التي تدل على حتمية الحدوث وكثرته.
{جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}: قيل: فيما رواه الإمام أحمد وغيره، وكثير من المفسرين، وقيل: حديث فيه ضعف. نزلت هذه الآية في عقبة بن أبي المعيط أرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بني المصطلق من خزاعة؛ ليأتيهم بصدقات أموالهم، فلما سمعوا بقدومه خرجوا لاستقباله، فخاف منهم أن يقتلوه حيث كان بينهم وبين عقبة عداوة في الجاهلية، فرجع بعد أن سار بعض الطّريق وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّهم منعوه من الصّدقة وأرادوا قتله، وكان هذا غير صحيح! وغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهمَّ بغزوهم، فقدِم وفدٌ من بني المصطلق إلى النّبي فأخبروه بكذب عقبة، ونزلت هذه الآية، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السّبب.
جاءكم فاسق بنبأ: جاءكم من المجيء، والمجيء فيه مشقة، ولم يقل أتاكم؛ لأنّ عقبة رجع وأخبر النبي بخبر غير صحيح واتّهم بني المصطلق، فاسق: نكرة والفاسق: هو الخارج عن طاعة الله ورسوله؛ وتعني: إن جاءكم أيُّ فاسق من الآن وصاعداً بأيِّ نبأ، والنبأ: هو الخبر العظيم أو الخبر الهام.
فتبيّنوا: فتثبّتوا من صحّته: أي انظروا في الخبر وتحقّقوا من صدقه أو كذبه ولا تتعجّلوا بالحكم أو اتخاذ أيِّ قرار.
أن تصيبوا: أن حرف مصدري يفيد التّعليل؛ أي: كراهة أن تتّهموا قوماً، والإصابة أشدّ من المسِّ، ولم يقل أن تمسّوا.
قوماً بجهالة: بجهالة: الباء للإلصاق؛ أي: تتّهموا قوماً جاهلين بحقيقة الأمر، أو تقوموا بعمل سيئ بسبب الجهالة وعدم التّريّث، والطّيش وعدم التّدبّر في إصدار الأحكام وبدون دليل وإثبات. ارجع إلى سورة النساء آية (١٧) لمعرفة الفرق بين بجهل وجهالة.
{فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}: الفاء للتعقيب والمباشرة، على ما: على تفيد العلوّ والمشقة، ما: اسم موصول بمعنى الذي (ولكنّها أعمّ وأشمل) أو مصدرية، فعلتم: من الخطأ واتّهام الغير بغير الحق أو الإساءة لهم، نادمين: من النّدم وهو الشّعور بالغمّ والأسى على وقوع شيء مع تمنّي لو أنّه لم يقع.