سورة الحجرات ٤٩: ٧
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}: أن للتوكيد، فيكم رسول الله: قدّم فيكم؛ للتوبيخ، توبيخ بعض المؤمنين لجعل رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تابعاً لرأيهم، والواجب والمطلوب تقديم رأي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واعملوا إن كذبتم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالله سبحانه سيطلعه على ذلك فلا تقولوا إلا الحق والصدق، وهذا إنذار وتهديد لكل من يفتري على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء في محياه أو بعد مماته.
{لَوْ يُطِيعُكُمْ}: لو: حرف امتناع لامتناع، امتنعت طاعته لكم فامتنع العَنَت عنكم.
{فِى كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ}: أي فيما تخبرونه أو تطلبون منه القيام به، وكلّ ما يحلو لكم، كما حدث حين أشار بعض الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمحاربة بني المصطلق بعد سماعهم الخبر الكاذب، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- لا يُطيعكم غالباً قبل أن يتبيّن له الحق والصدق، وقوله: (في كثير من الأمر): ولم يقل كلّ الأمور فلم ينسب جميع ما يقولونه بالخطأ والكذب، فهناك بعض ما يقولونه صدق وحق.
وقوله: لو يطيعكم: عبّر بصيغة المضارع ولم يقل لو أطاعكم؛ لدلالة التكرار والتجدد في أن يُطيعهم في بعض الأمر (وهناك فرق بين الطّاعة والاستماع) ولو يطيعكم في كثير من الأمر.
{لَعَنِتُّمْ}: اللام للتوكيد، والعنت: هو المشقة والضرر والشدة؛ أي: لوقعتم في المشقة والضرر والإثم بسبب عدم سداد رأيكم أو معرفتكم.
{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ}: حرف استدراك وتوكيد؛ أي: هناك طائفة مستثناة من هؤلاء المذكورين سابقاً: هم الذين حبَّب الله إليهم الإيمان.
{وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}: وأمدّهم الله بالإيمان والتّوفيق والهداية. وزيّنه في قلوبهم: أي حسّنه وحبّبه إلى قلوبهم؛ كلمة الزينة: تشمل الزينة الخارجية أو الداخلية؛ أي: الباطنة التي تشمل الاعتقادات الحسنة، وزينة الإيمان والطهارة… وغيرها؛ وكره إليهم الكفر والفسوق: الخروج عن طاعة الله ورسوله وعن الدّين، والعصيان: مخالفة أوامر الله ورسوله، فلم يتّهموا بني المصطلق ويحثّوا على محاربتهم من غير تحقيق في الخبر.
{أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}: أولئك اسم إشارة واللام للبعد وتفيد المدح وإشارة إلى منزلتهم العالية، هم: تفيد التّوكيد، الرّاشدون: الرّشاد هو إصابة الحق واتّباع طريق الاستقامة؛ أي: الرّشد الاستقامة على طريق الحق. وهناك فرق بين الرُّشد بضم الراء ويستعمل في سياق الأمور الدّنيوية والأخروية، والرَّشد: بفتح الرَّاء يستعمل في سياق الأمور الأخروية (الآخرة) فقط. ارجع إلى سورة النساء آية (٦) لمزيد من البيان.
والرّشاد، قيل: هو الصّلاح ويعني حبّ الإيمان. والرّاشدون: تدلّ على صفة الرّشد صفة ثابتة عندهم لا تتغير.