سورة الحجرات ٤٩: ١٢
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}:
نداء جديد للذين آمنوا بتكليف جديد أو حكم آخر.
{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ}: الاجتناب هو الابتعاد، والاجتناب أشد من التّحريم وهو عدم الاقتراب من الأمر المحرّم؛ أي: ابتعدوا عن سوء الظن بأيّ مؤمن أو بأهل الخير، والظنّ السيّئ يعدّ إثماً ويجب تجنبه مثل حديث الإفك والظّن السيّئ بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهو الظّن الذي لا يستند إلى دليل وبرهان.
{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ}: هناك القليل من الظّن المباح أو الغير محرم أو الظن الحسن، وقوله: (إنّ بعض الظن إثم): البعض هنا يعني: الكثير المأمور باجتنابه.
أمّا أهل السّوء والفسق فإذا ظهر منهم القبيح والسّوء والفسق، فلا يدخل ذلك تحت الظّن المحظور.
{وَلَا تَجَسَّسُوا}: التّجسس: هو البحث في الخفاء والتستر لكشف أمراً ما غالباً ما يكون في الشر مثل: تتبّع عورات المسلمين أو البحث عن عيوبهم ثم كشفها للآخرين أو الحديث عنها، أو التجسس على العدو لمعرفة عدده وعدته… وغيرها.
{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}: الواو عاطفة، لا النّاهية.
يغتب: من الغيبة وهي كما عرّفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث رواه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة (قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ذكرُك أخاك بما يكره.
قال: وإن كان في أخي ما أقول؟ قال: وإن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهَتَّه) (أي قلت فيه بهتاناً؛ وهو الكذب والباطل المثير للدهشة).
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}: أيحب: الهمزة للاستفهام الإنكاري، أحدكم: أي منكم.
{يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}: استعارة أو تشبيه المغتاب الذي يغتاب أخاه بمن يأكل لحم الإنسان الميت، مما يدل على بشاعة عمله. ومَيْتاً: جاءت بسكون الياء التي تدل على الموت الحقيقي قد حصل، والميت مات فعلاً، ولو جاءت بتشديد الياء: لدلت على أن الميت لم يمت بعد لا زالت روحه لم تغادر جسمه.
{فَكَرِهْتُمُوهُ}: الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر.
أي: كما يمتنع أحدكم ويكره أن يأكل لحم أخيه ميتاً، كذلك يجب أن يمتنع عن غيبة أخيه سواء كان حياً أو ميتاً.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أي امتثلوا أوامره وتجنّبوا نواهيه؛ لكي تتجنّبوا غضبه وسخطه وناره.
{إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}: إن الله: للتوكيد.
{تَوَّابٌ}: أي كثير قبول التّوبة، يقبل توبة كل عبد من خلقِه من آدم إلى آخر مخلوق، ومهما كان عددهم وعدد توباتهم فلا يردّ توبة تائب إذا آمن به وتوفرت أركان التّوبة.
{رَحِيمٌ}: لكونه لا يعاقب على الذنب والإثم مباشرة، ولكن يؤخّر العقاب؛ لعلّ العاصي يتوب وبالتّالي يعفو عنه ويغفر له.