سورة الذاريات ٥١: ٥٦
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}:
{وَمَا}: النّافية للحال والمستقبل.
{خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}: إلا أداة حصر. من خصوصيات القرآن يستعمل الجن مقابل الإنس، والناس مقابل الجنة، والجن: اسم جنس، وكذلك الإنس، والإنسان واحد من الناس، فالجنة: مجموعة من الجن غير محددة العدد كما في قوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} الناس: ٦، وقدم الجن على الإنس في هذه الآية؛ لأن الجن أسبق من الإنس في القدم في الخلق.
{لِيَعْبُدُونِ}: اللام لام التّعليل والتّوكيد, يعبدون من العبادة، وهي طاعة الخالق فيما أمر به أو نهى عنه على حسب ما أراده، وتعني: الخضوع والانقياد، ولا تكون إلا للخالق وحده، ويثاب عليها، والنّون في يعبدون لزيادة التّوكيد, ويعبدون تدل على التّجدُّد والتّكرار. ارجع إلى سورة النحل آية (٧٣) للبيان المفصل, وحذف الياء في يعبدون (بدلاً ليعبدوني) تدل على أنها عبادة مؤقتة مدة حياتهم من سن البلوغ إلى انتهاء أجلهم وعبادة قدر استطاعتهم. ارجع إلى سورة ياسين آية (٦١) لمزيد من البيان.
وتقديم الجن على الإنس في هذه الآية؛ لأنّ الحديث أو السّياق في الخلق وبما أنّ الله سبحانه خلق الجن قبل خلق الإنس فقدَّم الجن على الإنس.
وفي آيات أخرى قد يقدِّم الإنس على الجن، كقوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء: ٨٨.
ففي هذه الآية قدَّم الإنس على الجن؛ لأنّهم هم المقصودون بالتّحدِّي أولاً.