سورة النساء ٤: ١
سورة النساء
ترتيبها في القرآن السورة (٤)، وترتيبها في النزول (٩٢).
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ}: نداء إلى الناس كافة، وكلمة الناس: مشتقة من النوس؛ أي: الحركة، وهذا ما يوصف به الناس؛ لكثرة حركتهم، وكلمة الناس تشمل الإنس والجن (الثقلين)، وكلمة الناس: لا تدل على عدد مُعين، وكلمة الناس: أوسع من الإنس.
{اتَّقُوا رَبَّكُمُ}: اتقوا عذابه، أو عقابه؛ بإطاعة أوامره، واجتناب نواهيه؛ من الوقاية: وهي أن تجعل بينك وبين عقابه مانعاً ووقاية، أو سخطه وغضبه.
ولم يقل: اتقوا الله؛ لأن المقام مقام خلق، والرب هو الخالق، والمربي، والرازق، وفي مقام العبادة، والتشريع يأتي بكلمة الله، سبحانه، أو إلهكم.
{الَّذِى خَلَقَكُمْ}: الذي: اسم موصول، والخلق: بالنسبة إلى الله سبحانه هو الإيجاد من العدم، والخلق لغة: هو التقدير، والتسوية؛ أيْ: كافة البشر بما فيهم آدم وحواء، وكل إنسان خلق من نفس الجنس البشري، أو من أصل واحد، من نفس واحدة خُلقت منها كل النفوس، وأما الجعل كقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} الأعراف: ١٨٩؛ الجعل: يكون أو يتم بعد الخلق؛ أي: الخلق أولاً كمرحلة ابتدائية ثم الجعل مرحلة ثانية بعد الخلق.
وخلق منها زوجها: تشير إلى أن النفوس في الأصل من طبيعة متشابهة، أو متجانسة في الخلق؛ أيْ: كل نفس زوج (مثيل) للأخرى.
فالخلاصة: كل النفوس خلقت من نفس واحدة، وكلها متشابهة في الأصل أو متماثلة في الخَلْق، وليس في الخُلق. ارجع إلى سورة الأعراف، آية (١٨٩)؛ لمزيد من البيان، والمقارنة، وارجع إلى سورة الزمر، آية (٤٢).
{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}.
{وَبَثَّ}: الواو: عاطفة.
والبث: قيل: النشر، وهو التكاثر بالتناسل والتوالد.
{مِنْهُمَا}: من الرجال والنساء (الذكور والإناث).
{رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}: لم يقل: ونساءً كثيرات، بل اقتصر قوله: {رِجَالًا كَثِيرًا}؛ لأن المفروض إذا كان هناك رجال كثير أن يكون هناك نساءٌ كثيرات؛ حتى يتم الزواج، أو أكثر من كثيرات؛ وهذه من سنن الله سبحانه أن يكون عدد النساء أكثر من عدد الذكور.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}:
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أطيعوا الله فيما أمر به، وتجنبوا فيما نهى عنه، أو تجنبوا سخطه وغضبه.
{تَسَاءَلُونَ بِهِ}: أصلها تتساءلون به؛ حذفت التاء للتخفيف.
{تَسَاءَلُونَ}: أي: يسأل بعضكم بعضاً بالله؛ أيْ: تحلفون به الأيمان، مثل القول: أسألك بالله، أو اتقوا الله الذي تحلفون به الأيمان؛ أيْ: احفظوا أيمانكم، وإذا حلفتم عليكم بالبر بها، والوفاء.
{وَالْأَرْحَامَ}: أيْ: اتقوا أرحامكم؛ أيْ: صلوا أرحامكم، ولا تقطعوها، فسوف تسألون عنها.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}: إن للتوكيد. {كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}: كان، وما زال، وسيظل عليكم رقيباً؛ أيْ: لا يحدُّه زمان، ولا مكان، فهو خالق الزمان، والمكان.
المراقب لأحوالكم، الحافظ لأفعالكم، وأقوالكم.
والرقيب: هو البصير الذي يرصد كل قول، وكل فعل تقومون به، ويحفظه لكم.