سورة التحريم ٦٦: ١٠
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}:
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا}: المثل: هو قول موجز أو تشبيه حال بحال يراد به المقارنة والموازنة أو المفاضلة بين أمرين؛ لكي يتّضح الأمر ويزول الغموض.
المناسبة: في مطلع السورة رأينا كيف حفصة وعائشة دفعتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تحريم ما أحلّ الله له، وجاء التحذير لهما بتوقير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدم مخالفته وبالتوبة فقال: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} الآية: ٤.
وضرب المثل بامرأة نوح أو لوط بعد ذكر عائشة وحفصة يبيّن لنا أن امرأة نوح ولوط كانت كل واحدة منهما تحت نبي رسول، فلم ينفعها قرابتها من كونها امرأة لنبي إذا لم تصدّقه وتطع أوامره.
{لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: اللام لام الاختصاص، مثل خاص لهم.
{امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ}: وقوله: امرأة، ولم يقل زوجة؛ لأن امرأة في القرآن تطلق على كل من تخالف زوجها في الدين أو الأخلاق أو العقيدة، أو فيها خلل في الحياة الزوجية مثل كونها لا تنجب أو عاقراً أو بها عيب خلقي.
أما إذا كانت توافق زوجها في الدين والعقيدة والأخلاق وليس بها عيب بدني، ومساوية لزوجها، عندها يطلق عليها زوجة, وكذلك انظر كيف كتبت {وَامْرَأَتَ} بالتاء المفتوحة (المبسوطة), وليس بالتاء المربوطة. ارجع إلى سورة آل عمران آية (٣٠) للبيان.
{كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ}: كانتا في عصمة نوح ولوط (عليهما الصلاة والسلام).
{فَخَانَتَاهُمَا}: بسبب النفاق أو إفشاء السر وعدم التصديق برسالتهما، وليست خيانة جنسية أو الإحصان. قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قطُّ.
وقيل: كانت امرأة نوح تتهم نوحاً عليه السلام بأنه مجنون، ولم تصدق برسالته، وأما امرأة لوط كانت تشجّع على الفاحشة ولا تنكرها، وتفشي أخبار لوط إلى قومه.
وهذان رسولان لم يستطيعا التأثير في امرأتيهما، فلكل إنسان سواء كان ذكراً أو أنثى حرية الإيمان والعقيدة: ولا تزر وازرة وزر أخرى.
{فَلَمْ}: الفاء للتوكيد، لم للنفي.
{يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْـئًا}: أي لم يفيداهما أو ينفعهما لا نوح ولا لوط من عذاب الله شيئاً، والشيء: وهو أقل القليل أو أيُّ نوع من الغنى.
{وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}: مع الداخلين: من أهل الكفر والمعاصي إلى النار.