سورة النساء ٤: ٢٩
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}:
نداء إلى الذين آمنوا جديد، والهاء: للتنبيه.
{لَا}: الناهية.
{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}: تأخذوا، وعبر بالأكل عن الأخذ؛ لكثرة حدوث الأخذ، كما تكون الحاجة إلى الأكل المتكرر في كل يوم. والأخذ قد يأخذه ثم يعيده إلى صاحبه، أما الأكل فقد تم هضمه وقرر عدم إرجاعه إلى أهله.
وقال: {أَمْوَالَكُم}: ولم يقل: أموالهم كيف يأكل الإنسان ماله؟
إشارة إلى أن مال الفرد فيه حق الزكاة، وفيه حقوق أخرى للآخرين؛ كالصدقات، والضرائب، ولأن الكل عُرضة للأكل، فمرة يكون الإنسان آكلاً لمال غيره، ومرة أخرى يكون غيره آكلاً لماله؛ أيْ: أنا آكل مال غيري، وغيري يأكل مالي.
{بِالْبَاطِلِ}: الباء: للإلصاق. الباطل: الحرام؛ أيْ: تأخذ، أو تأكل مال الغير بغير حق، مثل: الربا، والغش، والسرقة، والرشوة، والميسر، واحتكار السلع وغيرها.
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِّنكُمْ}: إلا: أداة استثناء.
{أَنْ تَكُونَ}: أن: للتوكيد.
{تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِّنكُمْ}: التجارة: هي البيع والشراء بقصد الاسترباح؛ أيْ: إعطاء شيء في مقابل شيء، والبيع: هو إخراج السلعة من ملك البائع، والشراء: هو إدخال السلعة في ملك المشتري مقابل ثمن متفق عليه.
{تَرَاضٍ مِّنكُمْ}: إذن التراضي هو: شرط، ولم يوجب الشرع لفظاً معيناً، والتراضي قد يقوم على الفعل، لا القول، مثل: بيع المعاطاة؛ أيْ: يعطي البائع السلعة للمشتري، والمشتري يعطي البائع الثمن من غير صيغة، وذكر التجارة خاصَّة للترغيب فيها.
وذكر الباطل: ليدل على أن كثيراً من التجارات مشتملة على التعامل بالباطل، ولذلك جاء التحذير من ذلك.
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}:
{وَلَا}: الواو: استئنافية. لا: الناهية.
{تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}: بعد التوصية، والنهي عن أكل المال بالباطل؛ جاءت التوصية الثانية بالحفاظ على النفس، فقد تؤدِّي بعض المعاملات المادية إلى الغضب، والقتل، والسرقة، والانتحار؛ بسبب الطمع، والجشع، وغيرها.
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}: أيْ: لا يقتل بعضكم بعضاً؛ لأن قتل النفس من دون حق، أو عدل: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، ويدخل في الانتحار والتدخين، واستعمال المخدرات. وقيل: من يقتل أخاه كأنه قتل نفسه وذلك لأن المؤمنين كالجسد الواحد، وكذلك حكم على نفسه بالقتل قصاصاً.
{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} المائدة: ٣٢.
وكما قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة: ١٩٥: بارتكاب المعاصي، والإدمان، والميسر، والجرائم الأخلاقية، والمخدرات، والتدخين وغيرها.
{وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ}: لأن المؤمنين إخوة، وأنهم نفس واحد، مبالغة في النهي والزجر.
{إِنَّ}: للتوكيد.
{اللَّهَ كَانَ}: تشمل كل الأزمنة: الماضي، والحاضر، والمستقبل.
{بِكُمْ}: الباء: للإلصاق.
{رَحِيمًا}: بأن منعكم، ونهاكم، وحذركم من فعل تلك الأفعال السيئة، ونهاكم عن قتل النفس، وأكل أموال الناس بالباطل.