سورة النساء ٤: ٣٦
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْـئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}:
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ}: والعبادة تشمل العبادات: العبادات الحسية كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والعبادات القلبية: مثل الشكر، والذكر، والتفكر في خلق السموات والأرض وغيرها؛ التي هي أركان الإسلام من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج.
وتشمل العبادة كلَّ عمل يؤدِّي إلى الإصلاح، وكذلك التفكُّر في خلق السموات والأرض، والمعاملات، والتوحيد.
والعبادة: هي طاعة العابد للمعبود، والخضوع له، والاستسلام له، والإخلاص له في كل حال وزمان، وفيما شرع.
{وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْـئًا}: من ولد، أو شريك، أو ولي، أو صنم، أو ند، أو مثيل.
والشرك الخفي: هو الرياء، ويشمل: توحيد الإلوهية، والربوبية، والصفات، والأسماء.
{وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْـئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}: أيْ: لا تشركوا بالله شيئاً، ولو كان مقدار ذرة من الشرك {شَيْـئًا}، الشيء: هو أقل القليل، و (شيئاً) نكرة تشمل كل شرك مهما كان نوعه وشكله.
{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}: أي: البر بهما من خدمة، والإنفاق عليهما، وطاعتهما، وتنفيذ أوامرهما بلين ورحمة، وخفض جناح، وأصل الجملة (وأحسنوا إحساناً بالوالدين)، والإحسان قد يتعدى بـ (إلى)؛ أي: أحسن إلى الوالدين أو بالباء وفي هذه الآية وغيرها من الآيات تعدى بالباء التي تفيد الإلصاق؛ أي: الدوام على الإحسان، والإحسان يجب أن يكون مباشراً لذاتهما خاصاً بهما وليس كالإحسان العام إلى الآخرين كما ورد في سورة القصص آية (٧٧) {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، ولكن كالإحسان الذي ورد على لسان يوسف -عليه السلام- حين قال: {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِى} يوسف: ١٠٠، وقرن الإحسان بالوالدين بعبادته سبحانه، وجعله كأنه ميثاقاً. ارجع إلى سورة البقرة آية (١١٢) لمزيد من البيان في معنى الإحسان، ويوسع الله سبحانه دائرة الإحسان؛ لتشمل ثمانية أصناف أخرى هي:
{وَبِذِى الْقُرْبَى}: أي: الإحسان إلى ذي القربى إضافة الباء: للتوكيد، والاهتمام بالقربى.
وقيل: إضافة الباء، وقوله بذي القربى، ولم يقل: وذي القربى كما في الآية (٨٣) في سورة البقرة وبالوالدين إحساناً وذي القربى وبذي القربى تعني: الإحسان إلى أقرب الأقرباء؛ أيْ: ذريته؛ كالولد، والبنت، والأخ، والأخت، والعم، والعمة، والخال، والخالة…
{وَالْيَتَامَى}: أي: الإحسان إلى اليتامى جمع يتيم: وهو من فقد أباه ولم يبلغ الحلم، وذلك بالكفالة، والملاطفة، والتواضع معهم.
{وَالْمَسَاكِينِ}: والإحسان إلى المساكين جمع مسكين: وهو المحتاج الذي له مال لا يكفيه؛ بالعطاء، والقول المعروف، والإحسان إليه، والمسكين أحسن حالاً من الفقير.
{وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى}: وكذلك الإحسان للجار القريب، فله حق الجوار، وحق الإسلام، وحق الرحم.
{وَالْجَارِ الْجُنُبِ}: الجار البعيد؛ فإذا كان مشركاً؛ فله حق الجوار، وإن كان مسلماً فله حق الجوار، وحق الإسلام.
{الْجُنُبِ}: البعيد في النسب؛ أي: الذي لا قرابة بينه وبين جاره.
{وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ}: أي: المرافق، أو المرافقة، قالوا: هي الزوجة، أو رفيق السفر، أو التجارة، ويدخل في ذلك الخادم، وقد تعني: الصديق، أو كل أولئك.
{وَابْنِ السَّبِيلِ}: أيْ: ابن الطريق؛ أي: الغريب الذي انقطعت به الأسباب، ونسب إلى كونه ابن الطريق؛ لأنه ليس له أب، ولا أم، ولا قبيلة حين تنقطع به السبل في بلاد غريبة، وقيل: هو الضيف. وقيل: من لا مأوى له ويفترش الطرقات.
{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: مثل: الأسرى، والعبيد، والإماء، أو العمال، وفك أسرهم، أو السجناء المظلومين.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}:
{إِنَّ}: للتوكيد.
{لَا}: النافية. {يُحِبُّ}: من كان {مُخْتَالًا}: الخال: هو الكبر، مختال: متكبر.
{فَخُورًا}: هو الذي يتفاخر على الناس، ويعدد محاسنه ومناقبه تعالياً، وسمعة على الناس؛ أي: المعجب بنفسه، أو ينكر ما كان عليه حاله قبل غناه مختال على أهله، وقومه، وعشيرته، وأهله.
{مَنْ كَانَ}: تعني: قليلون من يتصفون بذلك.