سورة النساء ٤: ٩٧
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}:
سبب النزول: كما روى ابن عباس؛ قيل: نزلت هذه الآية في ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة، وادعوا أنهم مستضعفون، عاجزون عن الهجرة، وعاجزون عن إقامة شعائر الدِّين، وإذا هاجروا تسلب أموالهم، وحين خرج المشركون إلى بدر، خرج هؤلاء معهم، وقاتلوا مع المشركين، فقتلوا وهم كفار، فبذلك أصبحوا ظالمين لأنفسهم.
{إِنَّ}: للتوكيد.
{الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ}: أيْ: توفتهم الملائكة بعد أن قتلوا في بدر.
توفاهم الملائكة، وفي آيات أخرى، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ} السجدة: ١١.
وفي آية أخرى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا} الزمر: ٤٢، فالوفاة قد تنسب إلى الله، وإلى ملك الموت، وإلى الملائكة، فالأمر من الله ينزل إلى ملك الموت، ثم ملك الموت يأمر الملائكة الموكلين بوفاة العبد بالحضور لاستلام روحه بعد أن يقبضها ملك الموت؛ كي يصعدوا بها إلى عليين، أو سجين.
قال سبحانه: {تَوَفَّاهُمُ}: الوفاة: قد تعني الموت؛ أي: خروج الروح من الجسم، وقد تعني: المرحلة التي تسبق نزع الروح من الجسم، ولم يقل: تتوفاهم الملائكة، كما ورد في سورة النحل، آية (٢٨): {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ}.
توفاهم في سورة النساء؛ تعني: قسماً من الظالمين الذين ادعوا بأنهم مستضعفون؛ فلما كان عددهم قليل قال تعالى: (توفاهم الملائكة).
أما تتوفاهم في سورة النحل تشمل كل الظالمين، وبما فيهم الظالمون المذكورون في سورة النساء.
فعدد الظالمين في آية النحل أكبر بكثير من عدد الظالمين في آية النساء، ولذلك زاد التاء التي تدل على الكثرة في آية النحل.
{ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ}: بسبب عدم الهجرة في سبيل الله رغم أنهم كانوا قادرين على الهجرة، وعدم طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
{قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ}: أيْ: سألتهم ملائكة الموت قبيل نزع أرواحهم فيما كنتم.
فيمَ: في ظرفية، وما: للاستفهام التوبيخي.
{فِيمَ كُنتُمْ}: أيْ: في أيِّ الفريقين كنتم، أفي المسلمين، أم في المشركين، أو ما فعلتم بدينكم، وظلمتم أنفسكم بعدم الطاعة والهجرة.
{قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الْأَرْضِ}: كنا مستذَلِّين، ومقهورين في مكة، أو عاجزين في الأرض، ولم نتمكن من إقامة الدِّين.
{قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا}:
{قَالُوا}: أيْ: الملائكة قالوا لهم.
{أَلَمْ}: الهمزة همزة استفهام إنكاري، وتوبيخي.
{تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}: أيْ: ألم تكن أرض الله واسعة، وكنتم قادرين على الخروج من مكة إلى مكان آخر؛ مثل المدينة المنورة؛ لممارسة دِينكم.
{فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}: وليس عليها؛ لأن الأرض تشمل الطبقة الغازية المحيطة بالأرض.
{فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}:
{فَأُولَئِكَ}: الفاء: للتوكيد.
أولئك: اسم إشارة، واللام: للبعد، وتفيد التحقير.
{مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}: المأوى: اسم مكان، ويعني: منزلهم، أو المكان من آوى يأوي؛ أيْ: مكان إقامتهم واستقرارهم.
{جَهَنَّمُ}: مشتقة من الجهومة: الشيء المخوف، أو الكريه المنظر، والباعث على الكراهية، وجهنم تعني: بعيدة القعر. ارجع إلى سورة الرعد آية (١٨) للبيان.
{وَسَاءَتْ}: من ساء؛ أيْ: قبح؛ أيْ: قبحت.
{مَصِيرًا}: المرجع، أو المآل، والمنتهى.