سورة النساء ٤: ١٢٧
{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ الَّاتِى لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا}:
{وَيَسْتَفْتُونَكَ}: الواو: استئنافية؛ أيْ: ما زالوا يطلبون منك الفتيا في شأن النساء، ما يحل لهنَّ، أو ما يحرم عليهنَّ.
والفتيا: هي الإخبار بحكم الله عن دليل لمن سأل عنه في أمر نازل، وإذا نظرنا إلى الآية (١٧٦) في نفس السورة يقول تعالى: (يستفتونك) بدون الواو، وذلك لأن يستفتونك هذه عامة؛ أي: فيما يخطر على بالهم من الأمور من الكلالة وغير الكلالة.
{قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}: قل لهم أيها الرسول: الله يفتيكم فيهنَّ مباشرة، ومن دون تأخير، أو تأجيل؛ لاستنباط الحكم، أو قل لهم يا رسول الله: الله يفتيكم من جديد، فربما أخبروا بالفتوى سابقاً، وما يتلى عليكم في الكتاب في القرآن من الأحكام، كذلك يُعد فتوى لكم.
{وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ}: انتبه إلى ما طلبوا؛ هم طلبوا الفتوى في النساء عامة؛ أيْ: عامة النساء: صغيرات، أو كبيرات، يتيمات، غير يتيمات، فجاء الرد خاصاً في اليتامى من النساء، والمستضعفين من الوالدين فقط، لماذا؟
لأن الله سبحانه قد أفتاهم في النساء بما فيه الكفاية سابقاً؛ بما بين لهم من الأحكام في كتابه الكريم (القرآن).
فقد ذكر لهم أحكام الميراث، والطلاق، والزواج، والخطبة، والرضاعة.
فجاء الرد في هذه المرة في يتامى النساء؛ لأن اليتيمة ضعيفة، وتحتاج إلى عون.
أما النساء الأخريات؛ فلهنَّ القدرة على الوصول إلى الفتوى الخاصَّة بهنَّ.
{الَّاتِى}: اسم إشارة تعود على يتامى النساء.
{لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}: ما كتب لهنَّ؛ أيْ: ما فرض لهنَّ من الميراث، أو المهر.
{وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}: ترغبون: من الرغبة وهي الطلب بحرص، والرغبة قد تكون (في) أو (عن)؛ في: تعني الطلب بحرص، وعن: تعني عدم الطلب وتركه، وهنا عندنا احتمالين: الأول: ترغبون عن أن تنكحوهنَّ؛ لأنهنَّ غير جميلات مثلاً، فلا تعضلوهنَّ أن ينكحن؛ أيْ: يتزوجن بغيركم؛ (فقد كان لا يسمح لها بالزواج من غيره؛ كي لا يخسر مالها، ويصبح زوجها أولى بمالها).
الاحتمال الثاني: ترغبون في أن تنكحوهنَّ؛ لأنهنَّ جميلات، وذوات مال (فالوصي كان ينكحها، ويستمتع بمالها، ويستولي على مالها، ولا يعطيها حتى مهرها)، فالله يفتيكم ألا تفعلوا ذلك.
{وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ}: وهذا هو الصنف الثاني: المستضعف، وهو اليتيم الذي لم يبلغ الحلم بعد، والذي فقد (مات) أباه؛ حيث كانوا لا يورثون الصغير من الغلمان، فنهاهم الله عن ذلك، وبين لكل ذي سهم سهمه، وللذكر مثل حظ الأنثيين.
{وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}: وأن: للتوكيد.
{تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}: بالعدل؛ أيْ: تعاملوا اليتامى بالعدل، كما ذكر في أول السورة.
والقِسط: هو الحكم بالعدل، وتنفيذ الحكم، وليس مجرد الحكم.
{بِالْقِسْطِ}: بكسر القاف.
أما القَسط بفتح القاف؛ فيعني: الجور والظلم؛ ارجع إلى الآية (٣) في نفس السورة لمزيد من البيان.
{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا}:
{وَمَا}: الواو: عاطفة. ما: شرطية.
{تَفْعَلُوا}: تقوموا به.
{مِنْ}: استغراقية تستغرق كل خير.
{خَيْرٍ}: نكرة تشمل كل خير، والخير: هو الشيء الحسن النافع؛ مثل: الإحسان، والعدل إلى المرأة، واليتيم، ومراعاة حقوقهما.
{فَإِنَّ}: الفاء: للتوكيد.
إن: لزيادة التوكيد.
{كَانَ بِهِ عَلِيمًا}: (كان) تستغرق كل الأزمنة: الماضي، والحاضر، والمستقبل. يعلم النيات، والأعمال، والخفايا، وما يفعل بهؤلاء الضعفاء من خير، أو غدر، أو مكر، والله يعلم ذلك حتى قبل وقوعه، وفي كل زمان ومكان، فلا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء.