سورة النساء ٤: ١٥٧
{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}:
{وَقَوْلِهِمْ}: أي: اليهود؛ قالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، هم لم يؤمنوا بعيسى أصلاً، فكيف قالوا: رسول الله؟
له ثلاثة احتمالات:
الأول: قالوا: رسول الله على سبيل التهكم، والاستهزاء، مثل قول فرعون لموسى على سبيل التهكم: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} الشعراء: ٢٧.
الثاني: أو اعترفوا بأنه رسول الله بعد قتله، تبيَّن لهم ذلك.
الثالث: أنه من قول الله سبحانه، وليس من قولهم، وهذا يدل على بشاعة ما فعلوه بعيسى -عليه السلام- .
{وَمَا قَتَلُوهُ}: الواو: استئنافية، وما: النافية؛ تنفي قتل عيسى -عليه السلام- .
{وَمَا صَلَبُوهُ}: وما: للتأكيد، وللنفي بعدم القتل والصلب؛ أيْ: ما قتلوا عيسى، ولا صلبوه.
{وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}: أيْ: قتلوا، وصلبوا من أُلقي عليه شبهه، أو شبِّه لهم أنهم قتلوه، وفيمن ألقي عليه شبهه قولان:
أحدهما: أنه كان رجلاً منافقاً من أصحاب عيسى -عليه السلام- ، خرج ليدل عليه، فألقى الله شبه عيسى عليه، فأُخذ وصلب.
والثاني: أنه كان رجلاً من أصحاب عيسى -عليه السلام- ؛ لما علم عيسى أنه سيُرفع إلى السماء، سأل حواريه: أيكم يُلقى عليه شبهي فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي، فقام شاب، وقال: أنا، ثم أعاد عيسى القول ثلاث مرات، وكل مرة كان يقوم الشاب، فتمَّ ذلك.
{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}:
{الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ}: أي: اليهود، أو النصارى.
فاليهود: اختلفوا في الذي ألقوا عليه القبض، هل كان هو عيسى حقيقة أم غيره، والنصارى اختلفوا فيه، هل هو إله أم هو ثالث ثلاثة، أم هو ابن الله -جل وعلا- .
{وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّ}: أي: اليهود والنصارى الذين اختلفوا في عيسى؛ لفي: اللام: للتوكيد؛ في: ظرفية؛ شك: التردد بين الشيئين استوى طرفاه.
{مِّنْهُ}: أي: عيسى -عليه السلام- .
وقد اختلفت الروايات في هذه النهاية العجيبة لعيسى -عليه السلام- ، كما كانت ولادته أمراً عجيباً، والقرآن يخبرنا بحقائق ثابتة هي أنهم ما قتلوه، وما صلبوه، بل رفعه الله إليه.
وقوله: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}: شبه: أي: في الكيفية؛ أي: شبهه الله لهم بأنه عيسى، ولم يكن عيسى، وإنهم: {لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ}: فتدل على اضطراب حالتهم الفكرية حينذاك، واختلاط الأمور عليهم؛ الظن: هو رجحان طرف الثبات على طرف النفي.
{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}: إعادة النفي، وتكرار كلمة ما قتلوه، تؤكد عدم قتلهم له، وهم أنفسهم كانوا غير متيقنين من قتله، بل شاكّين بمن قتلوا، وكان كل علمهم به ظناً.