سورة النساء ٤: ١٥٨
{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}:
{بَلْ}: للإضراب الإبطالي؛ أيْ: إبطال الكلام السابق أنهم قتلوه، أو صلبوه.
{رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}: وقد ذكر الله سبحانه في آية (٥٥) من سورة آل عمران كيف تمت عملية الرفع والوفاة معاً، أو الوفاة والرفع.
{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ}:
ورفع عيسى -عليه السلام- ليس أمراً عجيباً، بل أعجب من ذلك حادثة المعراج التي قام بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
{وَكَانَ اللَّهُ}: كان، وما يزال، وسيظل عزيزاً حكيماً، فالعزة، والحكمة: صفات لذاته، لا تنفك عنه، ولا تزول.
{عَزِيزًا}: الذي لا يُغلب، ولا يقهر، وغالب على أمره إذا أرادوا قتل عيسى -عليه السلام- .
{حَكِيمًا}: حكيم فيما يدبره، ويقدره، وفيما يفعله من الأمور سبحانه، لا يُسأل عمّا يفعل، وهم يسألون، حكيم من الحكمة، وحكيم من الحكم، فهو أحكم الحاكمين، وأحكم الحكماء. ارجع إلى الآية (١٢٩) من سورة البقرة؛ لمزيد من البيان.
وهناك احتمال آخر: حينما ذهبوا لقتله؛ رأى بعض هؤلاء الذين دخلوا على عيسى -عليه السلام- ، وهو يُرفع إلى السماء، وخافوا أن يعلم الناس بذلك، فيؤمنوا به، ويفضح أمرهم، فأخذوا الذي دلّهم عليه مكانه وصلبوه، وسواء أكان انتقاماً منه، أو خوفاً من أن يخبر الناس بحقيقة عيسى -عليه السلام- ، الله أعلم.
والبحث هذا لا يهمنا، المهم أن الله رفعه إليه، ويكفينا أنه يقول الحق لنا: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}: إذن نؤمن بذلك، وأنه سوف يكون من علامات الساعة.
لقد وردت في الآية ثلاث كلمات معاً:
الشك، والظن، واليقين، ولكل منها معنى يختلف عن الآخر.
الشك: هو التردد بين أمرين، أو طرفين على حد سواء.
أو تتساوى فيه كفة النفي، وكفة الإثبات؛ أي: النسبتين كما نقول: (٥٠%، ٥٠%)، وهو اضطراب نفسي.
أما الظن: التردد الراجح؛ أي: إذا رجحت كفة الإثبات، وأصبحت أكثر من (٥٠%).
واليقين: هو الأمر الثابت المعقود في الواقع، والقلب بحيث لا يطفو إلى الذهن؛ ليناقش من جديد، أو يتغير، أو هو العلم بالحق، مع العلم أنه لا يكون غيره.