سورة البقرة ٢: ٥٧
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}:
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ}: في التيه، الغمام؛ سمي غماماً؛ لأنه يغم السماء؛ أي: يسترها، وكان يوصف الغمام بأنه سحاب، رقيق، أبيض، للوقاية من حر الشمس المحرقة.
{وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}: في التيه، والمن؛ هو شيء كالصمغ، أو عصارة سكرية تخرج من سيقان جذوع بعض الأشجار، ثم تجف وهي حلوة كالعسل، وتمثل الكربوهيدرات، وكانت تخرج من طلوع الفجر إلى بزوع الشمس، وكانت تشاهد على جذوع الشجر، وأوراق الشجر، لها طعم الحلوى المغذية، سهلة الهضم.
{وَالسَّلْوَى}: طير؛ يقال: إنه السمان، أو يشبه السماني، أو الحجل كان يأتيهم في جماعات كبيرة، ومن الطيور المهاجرة، ويبقى على وجه الأرض، حتّى يمسكوا به، ويذبحوه، ويأكلوه، ويمثل البروتينات. فالمن والسلوى غذاء كامل للإنسان.
{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}: أي: قلنا لهم: {كُلُوا مِنْ}: من ابتدائية، وللتبعيض.
{طَيِّبَاتِ}: جمع طيب، وهو الحلال الطاهر، فكل حلال طيب، وليس كل طيب حلالاً، مثل: المن، والسلوى.
{مَا}: اسم موصول؛ بمعنى: الذي رزقناكم.
{وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: الواو: عاطفة، ما: النّافية.
{وَمَا ظَلَمُونَا}: حين كفروا بتلك النعم، ولم يشكروا المنعم، والله سبحانه وتتعالى أعز أن يظلِم، ولا يستطيع أحدٌ أن يظلم الله سبحانه، ولو كفر أهل الأرض جميعاً، {وَلَكِنْ}: حرف استدراك، وتوكيد.
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ}: حين جحدوا نعم الله تعالى، وظلم النفس؛ يعني: نقصان حقها، فبدلاً من تزكيتها، ظلمها وأنقصها حقها، فأوردها موارد التهلكة، والعذاب، وحرموا أنفسهم من النعيم الأبدي بالظلم.
وقول {أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: بدلاً من قوله: ويظلمون أنفسهم؛ إذ قدَّم المفعول به على الفاعل؛ للتأكيد على ظلمهم أنفسهم، بما ارتكبوه.
ولا بد من مقارنة قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} البقرة: ٥٧، وقوله تعالى: {وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} آل عمران: ١١٧.
فقوله: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: جاءت في سياق الحديث عن الأقوام، الماضية، البائدة، واستعمل كلمة {كَانُوا} الدالة على الزمن الماضي.
أما قوله تعالى: {وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}: جاءت في سياق الحديث عن الزمن الحاضر، أو الحال؛ أي: في الأقوام الّذين لا زالوا على قيد الحياة، وليس في الأقوام الماضية.