سورة البقرة ٢: ٥٨
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}:
قبل البدء بتفسير هذه الآية لنعلم أن هذه الآية جاءت في سياق تعداد النعم على بني إسرائيل لقوله تعالى لما افتتح ذكر بني إسرائيل قال تعالى: {يَابَنِى إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة: ٤٧.
{وَإِذْ}: أي: واذكروا؛ إذ قلنا.
{وَإِذْ قُلْنَا}: أسند القول إليه سبحانه؛ اهتماماً بهم؛ الخطاب المباشر من اله سبحانه لبني إسرائيل. وفي سورة الأعراف آية (١٦١) قال تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} ارجع إلى سورة الأعراف: آية (١٦١) لبيان الاختلاف.
{ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}: قيل: هي بيت المقدس، أو أريحا، أو غيرها، أمروا بدخولها، بعد التيه. وفي سورة الأعراف آية (١٦١) قال تعالى: {اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦١) لبيان الاختلاف.
{فَكُلُوا مِنْهَا}: الفاء؛ هنا، للتعقيب، والسرعة؛ أي: كلوا؛ بمجرد دخولكم، وكأنّ الطعام مهيئ لهم، كما نفعل في حالة إقراء الضيف.
{حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا}: هذه الآية؛ تدل على أنّ هناك أصناف كثيرة من الطعام، {رَغَدًا}: كلوا هنيئاً، لا عناء فيه، وتأخير كلمة {رَغَدًا}؛ في هذه الآية بدلاً فكلوا منها رغداً حيث شئتم؛ لكونها في سياق الدّنيا، بينما في الحديث، عن الجنة، وآدم، قدَّم {رَغَدًا}؛ فقال: {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} البقرة: ٣٥. وفي سورة الأعراف آية (١٦١) حذف رغداً وقال تعالى: (وكلوا حيث شئتم)؛ ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦١) لبيان الاختلاف.
وهذا التأخير، والتقديم في الرغد؛ لكون الجنة والدنيا، لا تتساويان في لذة العيش، فرغد الجنة مقدَّم على رغد الدّنيا.
{وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}: وادخلوا الباب؛ باب القرية، الّتي ذكرت في مطلع الآية. وفي سورة الأعراف آية (١٦١) قدم (حطة) وقال تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}؛ ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦١) لبيان الاختلاف.
{سُجَّدًا}: ولم يقل سجوداً؛ سجداً: تدل على المبالغة في السجود؛ أي: في منتهى الخضوع، والتواضع، واسجدوا عند الانتهاء، إلى الباب؛ شكراً لله، وتواضعاً، سجود الشكر، وقدَّم السجود على القول، {وَقُولُوا حِطَّةٌ}؛ لأنّ السجود أعظم، وأشرف من الدعاء، (القول)، وأقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد.
{وَقُولُوا حِطَّةٌ}: حطة؛ من الحط، بمعنى: الوضع، والإنزال، وأصله إنزال الشيء، من علو، واستحطه؛ أي: سأله أن يحطه عنه؛ أي: حط، عنا ذنوبنا يا ربنا، واغفر لنا، (ويمثل الاستغفار).
{نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}: الغفر، هو الستر، والمغفرة؛ هي ستر الذنب، وأما العفو؛ فهو ترك العقوبة.
{لَكُمْ}: أي: نغفر لهؤلاء، الّذين قاموا، بما أُمروا به.
{خَطَايَاكُمْ}: جمع خطيئة جمع كثرة، مقارنة بخطيئاتكم في الأعراف آية (١٦١) (جمع قلة)، والخطايا تشمل كل الذنوب.
{نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ}: مهما كثرت، أو تنوعت، سواء أكانت في العبادات، أو غيرها، ولم يقل من خطاياكم؛ من: البعضية؛ أي: بعض خطاياكم.
{وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}: الواو؛ هنا، تدل على الاهتمام والتأكيد. وفي سورة الأعراف آية (١٦١) قال تعالى: {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} بدون الواو؛ ارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦١) لبيان الاختلاف.
وماذا بعد الغفران؛ قيل لهم: {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}، ولمعرفة معنى الإحسان، ارجع إلى الآية (٨٢) من سورة البقرة، وارجع إلى سورة الأعراف آية (١٦١) للمقارنة والمزيد من البيان.