سورة المائدة ٥: ٤٢
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْـئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}:
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}: سمّاعون: صفة مبالغة للسماع؛ أيْ: كثيرو السمع للكذب.
{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}: أكّالون: صيغة مبالغة للأكل، واللام في كلمة للسحت: للتوكيد، والسحت: هو أشد، أو أبلغ الحرام.
{أَكَّالُونَ}: أيْ: بشراهة، وبكثرة الأكل.
{أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}: آخذون المال غير الحلال؛ مثل: الرشوة في الحكم، أو الدَّين، والرِّبا، والسرقة، والميسر، بكثرة. ارجع إلى الآية (٦٣) من سورة المائدة؛ لمزيد من البيان.
وأصل السحت: الهلاك، والزوال؛ كقوله سبحانه: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ}؛ أيْ: يهلكهم بعذاب، والسحت يسحت البركة؛ أيْ: يزيلها إذا اختلط بأي مال يسحت؛ أيْ: يزيل بركته، ولا يدوم طويلاً.
{فَإِنْ جَاءُوكَ}: الفاء: استئنافية. إن: شرطية؛ تفيد الاحتمال، وقلَّة المجيء.
{جَاءُوكَ}: المجيء فيه نوع من المشقة والجهد، ولم يقل: فإن أتوك، الإيتاء فيه سهولة وراحة، جاؤوك لحاجة لهم، أو لتحكم بينهم، جاؤوك وهم متردِّدون.
{فَاحْكُم بَيْنَهُمْ}: الفاء: للتعقيب، والترتيب، احكم بينهم: {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}، لك الخيار بأحد الأمرين؛ أيْ: إنك لست ملزماً بالحكم، أو أعرض عنهم لا تلقاهم، ولا تجتمع بهم.
{وَإِنْ تُعْرِضْ}: الواو: عاطفة، إن: شرطية، تعرض عنهم: أيْ: لا تحكم بينهم، وتراهم.
{فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْـئًا}: لن: النافية للمستقبل القريب والبعيد.
{يَضُرُّوكَ شَيْـئًا}: شيئاً: نكرة، أيُّ شيء، والشيء: هو أقل القليل، صغيراً، أو كبيراً، ومهما كان نوع الضرر.
{وَإِنْ حَكَمْتَ}: إن: شرطية تدل على الاحتمال والندرة.
{فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ}: الفاء: للتعقيب، والمباشرة، احكم: افصل بينهم بالقسط، الباء: للإلصاق والتوكيد، أو اقضِ بينهم، ولم يقل: فاحكم بينهم بالعدل، وإنما قال بالقسط؛ لأن القسط: هو الحكم بالعدل مع تنفيذ الحكم، وعدم الجور، فالقسط: أعم وأشمل من العدل، والعدل يكون في الأشياء المعنوية، والمادية.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}: إن: للتوكيد.
{يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}: جمع مقسط، من أقسط: أيْ: عدل، ولم يُجرْ، ويظلم. ارجع إلى سورة النساء آية (٣) لمزيد من البيان في القِسط.